المسألة الثانية: في بيان الوجه الذي لأجله كان التوسع موجبا للطغيان ذكروا فيه وجوها الأول: أن الله تعالى لو سوى في الرزق بين الكل لامتنع كون البعض خادما للبعض ولو صار الأمر كذلك لخرب العالم وتعطلت المصالح الثاني: أن هذه الآية مختصة بالعرب فإنه كلما اتسع رزقهم ووجدوا من المطر ما يرويهم ومن الكلأ والعشب ما يشبعهم أقدموا على النهب والغارة الثالث: أن الإنسان متكبر بالطبع فإذا وجد الغنى والقدرة عاد إلى مقتضى خلقته الأصلية وهو التكبر، وإذا وقع في شدة وبلية ومكروه انكسر فعاد إلى الطاعة والتواضع.
المسألة الثالثة: قال خباب بن الأرت فينا نزلت هذه الآية وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها، وقيل نزلت في أهل الصفة تمنوا سعة الرزق والغنى.
ثم قال تعالى: * (ولكن ينزل بقدر ما يشاء) * قرأ ابن كثير وأبو عمرو * (ينزل) * خفيفة والباقون بالتشديد، ثم نقول * (بقدر) * بتقدير يقال قدره قدرا وقدرا * (إنه بعباده خبير بصير) * يعني أنه عالم بأحوال الناس وبطباعهم وبعواقب أمورهم فيقدر أرزاقهم على وفق مصالحهم، ولما بين تعالى أنه لا يعطيهم ما زاد على قدر حاجتهم لأجل أنه علم أن تلك الزيادة تضرهم في دينهم بين أنهم إذا احتاجوا إلى الرزق فإنه لا يمنعهم منه فقال: * (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا) * قرأ نافع وابن عامر وعاصم * (ينزل) * مشددة والباقون مخففة، قال صاحب " الكشاف ": قرىء * (قنطوا) * بفتح النون وكسرها، وإنزال الغيث بعد القنوط أدعى إلى الشكر لأن الفرح بحصول النعمة بعد البلية أتم، فكان إقدام صاحبه على الشكر أكثر * (وينشر رحمته) * أي بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب، وعن عمر رضي الله عنه أنه قيل له " اشتد القحط وقنط الناس فقال: إذن مطروا " أراد هذه الآية، ويجوز أن يريد رحمته الواسعة في كل شيء كأنه قيل ينزل الرحمة التي هي الغيث وينشر سائر أنواع الرحمة * (وهو الولي الحميد) * * (الوالي) * الذي يتولى عباده بإحسانه و * (الحميد) * المحمود على ما يوصل للخلق من أقسام الرحمة، ثم ذكر آية أخرى تدل على إلهيته فقال: * (ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة) * فنقول: أما دلالة خلق السماوات والأرض على وجود الإله الحكيم فقد ذكرناها وكذلك دلالة وجود الحيوانات على وجود الإله الحكيم، فإن قيل كيف يجوز إطلاق لفظ الدابة على الملائكة؟ قلنا فيه وجوه الأول: أنه قد يضاف الفعل إلى جماعة وإن كان فاعله واحدا منهم يقال بنو فلان فعلوا كذا، وإنما فعله واحد منهم ومنه قوله تعالى: * (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) * (الرحمن: 22) الثاني: أن الدبيب هو الحركة، والملائكة لهم حركة الثالث: لا يبعد أن يقال إنه تعالى خلق في السماوات أنواعا من الحيوانات يمشون مشي الأناسي على الأرض.
ثم قال تعالى: * (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) * قال صاحب " الكشاف ": إذا تدخل على المضارع كما تدخل على الماضي، قال تعالى: * (والليل إذا يغشى) * (الليل: 1) ومنه * (إذا يشاء قدير) * والمقصود أنه تعالى خلقها متفرقة، لا لعجز ولكن لمصلحة، فلهذا قال: * (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) * يعني الجمع