لم يسمع عين كلام الله أو يسمعه، أما الأول: وهو أنه وصل إليه الوحي لا بواسطة شخص آخر وما سمع عين كلام لله فهو المراد بقوله * (إلا وحيا) * وأم الثاني: وهو أنه وصل إليه الوحي لا بواسطة شخص آخر ولكنه مسع عين كلام الله فهو المراد من قوله * (أو من وراء حجاب) * وأما الثالث: وهو أنه وصل إليه لوحي بواسطة شخص آخر فهو المراد بقوله * (أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) * واعلم أن كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة وحي، إلا أنه تعالى خصص القسم الأول باسم الوحي، لأن ما يقع في القلب على سبيل الإلهام فهو يقع دفعة فكن تخصيص لفظ الوحي به أولى فهذا هو الكلام في تمييز هذه الأقسام بعضها عن بعض.
المسألة الثانية: القائلون بأن الله في مكان احتجوا بقوله * (أو من وراء حجاب) * وذلك لأن التقدير وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا على أحد ثلاثة أوجه أحدها: أن يكون الله من وراء حجاب، وإنما يصحب ذلك لو كان مختصا بمكان معين وجهة معينة والجواب: أن ظاهر اللفظ وإن أوهم ما ذكرتم إلا أنه دلت الدلائل العقلية والنقلية على أنه تعالى يمتنع حصوله في المكان والجهة، فوجب حمل هذا اللفظ على التأويل، والمعنى أن الرجل سمع كلاما مع أنه لا يرى ذلك المتكلم كان ذلك شبيها بما إذا تكلم من وراء حجاب، والمشابهة سبب لجواز المجاز.
المسألة الثالثة: قالت المعتزلة هذه الآية تدل على أنه تعالى لا يرى، وذلك لأنه تعالى حصر أقسام وحيه في هذه الثلاثة ولو صحت رؤية الله تعالى لصح من الله تعالى أنه يتكلم مع العبد حال ما يراه العبد، فحينئذ يكون ذلك قسما رابعا زائدا على هذه الأقسام الثلاثة، والله تعالى نفى القسم الرابع بقوله * (وما كان لبشر أن يكلمه الله) * إلا على هذه الأوجه الثلاثة الجواب: نزيد في اللفظ قيدا فيكون التقدير وما كان لبشر أن يكلمه الله في الدنيا إلا على أحد هذه الأقسام الثلاثة وحينئذ لا يلزم ما ذكرتموه، وزيادة هذا القيد وإن كانت على خلاف الظاهر لكنه يجب المصير إليها للتوفيق بين هذه الآيات وبين الآيات الدالة على حصول الرؤية في يوم القيامة والله أعلم.
المسألة الرابعة: أجمعت الأمة على أن الله تعالى متكلم، ومن سوى الأشعري وأتباعه أطبقوا على أن كلام الله هو هذه الحروف المسموعة والأصوات المؤلفة، وأما الأشعري وأتباعه فإنهم زعموا أن كلام الله تعالى صفة قديمة يعبر عنها بهذه الحروف والأصوات.
أما الفريق الأول: وهم الذين قالوا كلام الله تعالى هو هذه الحروف والكلمات فهم فريقان أحدهما: الحنابلة الذين قالوا بقدم هذه الحروف وهؤلاء أخس من أن يذكروا في زمرة العقلاء، واتفق أني قلت يوما لبعضهم لو تكلم الله بهذه الحروف إما أن يتكلم بها دفعة واحدة أو على التعاقب والتوالي والأول باطل لأن التكلم بجملة هذه الحروف دفعة واحدة لا يفيد هذا النظم المركب على هذ التعاقب والتوالي، فوجب أن لا يكون هذا النظم المركب من هذه الحروف