إصرارهم على مذاهبهم الباطلة، وذلك أنهم وجدوا في الدنيا سعادة وكرامة الفوز بمطالب الدنيا يفيد الغرور والفجور والتكبر وعدم الانقياد للحق فقال: * (وأنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها) * ونعم الله في الدنيا وإن كانت عظيمة إلا أنها بالنسبة إلى السعادات المعدة في الآخرة كالقطرة بالنسبة إلى البحر فلذلك سماها ذوقا فبين تعالى أن الإنسان إذا فاز بهذا القدر الحقير الذي حصل في الدنيا فإنه يفرح بها ويعظم غروره بسببها ويقع في العجب والكبر، ويظن أنه فاز بكل المنى ووصل إلى أقاصي السعادات، وهذه طريقة من يضعف اعتقاده في سعادات الآخرة، وهذه الطريقة مخالفة لطريقة المؤمن الذي لا يعد نعم الدنيا إلا كالوصلة إلى نعم الآخرة، ثم بين أنه متى أصبتهم سيئة أي شيء يسوءهم في لحال كالمرض والفقر وغيرهما فإنه يظهر منه الكفر وهو معنى قوله * (فإن الإنسان كفور) * والكفور الذي يكون مبالغا في الكفران ولم يقل فإنه كفور، ليبين أن طبيعة الإنسان تقتضي هذه الحالة إلا إذا أدبها الرجل بالآداب التي أرشد الله إليها، ولما ذكر الله إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدها أتبع ذلك بقوله * (لله ملك السماوات والأرض) * والمقصود منه أن لا يغتر الإنسان بما ملكه من المال والجاه بل إذا علم أن الكل ملك الله ومله، وأنه إنما حصل ذلك القدر تحت يده لأن الله أنعم عليه به فحينئذ يصير ذلك حاملا له على مزيد الطاعة والخدمة، وأما إذا اعتقد أن تلك النعم، إنما تحصل بسبب عقله وجده واجتهاده بقي مغرورا بنفسه معرضا عن طاعة الله تعالى، ثم ذكر من أقسام تصرف الله في العالم أنه يخص البعض بالأولاد والإناث والبعض بالذكور والبعض بهما والبعض بأن يجعله محروما من الكل، وهو المراد من قوله * (ويجعل من يشاء عميقا) *.
واعلم أن أهل الطبائع يقولوه السبب في حدوث الولد صلاح حال النطفة والرحم وسبب الذكورة استيلاء الحرارة، وسبب الأنوثة استيلاء البرودة، وقد ذكرنا هذا الفصل بالاستقصاء التام في سورة النحل، وأبطلناه بالدلائل اليقينية، وظهر أن ذلك من الله تعالى لا أنه من الطبائع والأنجم والأفلاك وفي الآية سؤالات:
السؤال الأول: أنه قدم الإناث في الذكر على الذكور فقال: * (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) * ثم في الآية الثانية قدم الذكور على الإناث فقال: * (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) * فما السبب في هذا التقديم والتأخير؟
السؤال الثاني: أنه ذكر الإناث على سبيل التنكير فقال: * (يهب لمن يشاء إناثا) * وذلك الذكور بلفظ التعريف فقال: * (ويهب لمن يشاء الذكور) * فما السبب في هذا الفرق؟
السؤال الثالث: لم قال في إعطاء الإناث وحدهن، وفي إعطاء الذكور وحدهم بلفظ الهبة فقال: * (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) * وقال في إعطاء الصنفين معا * (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) *.