واعلم أن قوله * (جنات تجري من تحتها الأنهار) * وصف لطيب الجنة ودخل تحته جميع النعم الموجودة فيها من المطعم والمشرب والملبس والمفرش والمنظر، وبالجملة فالجنة مشتملة على جميع المطالب، كما قال تعالى: * (فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) * (الزخرف: 71).
ثم قال: * (خالدين فيها) * والمراد كون تلك النعم دائمة.
ثم قال: * (وأزواج مطهرة ورضوان من الله) * وقد ذكرنا لطائفها عند قوله تعالى في سورة البقرة: * (ولهم فيها أزواج مطهرة) * (البقرة: 25) وتحقيق القول فيه أن النعمة وإن عظمت فلن تتكامل إلا بالأزواج اللواتي لا يحصل الأنس إلا بهن، ثم وصف الأزواج بصفة واحدة جامعة لكل مطلوب، فقال * (مطهرة) * ويدخل في ذلك: الطهارة من الحيض والنفاس وسائر الأحوال التي تظهر عن النساء في الدنيا مما ينفر عنه الطبع، ويدخل فيه كونهن مطهرات من الأخلاق الذميمة ومن القبح وتشويه الخلقة، ويدخل فيه كونهن مطهرات من سوء العشرة.
ثم قال تعالى: * (ورضوان من الله) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قرأ عاصم * (ورضوان) * بضم الراء، والباقون بكسرها، أما الضم فهو لغة قيس وتميم، وقال الفراء: يقال رضيت رضا ورضوانا، ومثل الراضون بالكسر الحرمان والقربان وبالضم الطغيان والرجحان والكفران والشكران.
المسألة الثانية: قال المتكلمون: الثواب له ركنان أحدهما: المنفعة، وهي التي ذكرناها، والثاني: التعظيم، وهو المراد بالرضوان، وذلك لأن معرفة أهل الجنة مع هذا النعيم المقيم بأنه تعالى راض عنهم، حامد لهم، مثن عليهم، أزيد في إيجاب السرور من تلك المنافع، وأما الحكماء فإنهم قالوا: الجنات بما فيها إشارة إلى الجنة الجسمانية، والرضوان فهو إشارة إلى الجنة الروحانية وأعلى المقامات إنما هو الجنة الروحانية، وهو عبارة عن تجلي نور جلال الله تعالى في روح العبد واستغراق العبد في معرفته، ثم يصير في أول هذه المقامات راضيا عن الله تعالى، وفي آخرها مرضيا عند الله تعالى، والله الإشارة بقوله * (راضية مرضية) * (الفجر: 28) ونظير هذه الآية قوله تعالى: * (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم) * (التوبة: 72).
ثم قال: * (والله بصير بالعباد) * أي عالم بمصالحهم، فيجب أن يرضوا لأنفسهم ما اختاره لهم من نعيم الآخرة، وأن يزهدوا فيما زهدهم فيه من أمور الدنيا.