المكلف على القبيح قبح من الله تعالى، وإن علم الله تعالى أنه لا أثر له البتة في حمل المكلف على فعل القبيح كان وجوده كعدمه فيما يرجع إلى كون العبد مطيعا وعاصيا، فلا فائدة في صرف الدعاء إليه.
وأما الثالث: فهو أن التسمية بالزيغ والكفر دائر مع الكفر وجودا وعدما والكفر والزيغ باختيار العبد، فلا فائدة في قوله لا تسمنا باسم الزيغ والكفر.
وأما الرابع: فهو أنه لو كان علمه تعالى بأنه يكفر في السنة الثانية، يوجب عليه أن يميته لكان علمه بأن لا يؤمن قط ويكفر طول عمره يوجب عليه لا يخلقه.
وأما الخامس: وهو حمله على إبقاء العقل فضعيف، لأن هذا متعلق بما قال قبل هذه الآية * (فأما الذين في قلوبهم زيغ) * (آل عمران: 7).
وأما السادس: وهو أن الحراسة من الشيطان ومن شرور النفس إن كان مقدورا وجب فعله، فلا فائدة في الدعاء وإن لم يكن مقدورا تعذر فعله فلا فائدة في الدعاء، فظهر بما ذكرنا سقوط هذه الوجوه، وأن الحق ما ذهبنا إليه.
فإن قيل: فعلى ذلك القول كيف الكلام في تفسير قوله تعالى: * (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) * (الصف: 5).
قلنا: لا يبعد أن يقال إن الله تعالى يزيغهم ابتداء فعند ذلك يزيغون، ثم يترتب على هذا الزيغ إزاغة أخرى سوى الأولى من الله تعالى وكل ذلك لا منافاة فيه.
أما قوله تعالى: * (بعد إذ هديتنا) * (آل عمران: 8) أي بعد أن جعلتنا مهتدين، وهذا أيضا صريح في أن حصول الهداية في القلب بتخليق الله تعالى.
ثم قال: * (وهب لنا من لدنك رحمة) * واعلم أن تطهير القلب عما لا ينبغي مقدم على تنويره مما ينبغي، فهؤلاء المؤمنون سألوا ربهم أولا أن لا يجعل قلوبهم مائلة إلى الباطل والعقائد الفاسدة، ثم أنهم ابتغوا ذلك بأن طلبوا من ربهم أن ينور قلوبهم بأنوار المعرفة، وجوارحهم وأعضائهم بزينة الطاعة، وإنما قال: * (رحمة) * ليكون ذلك شاملا لجميع أنواع الرحمة، فأولها: أن يحصل في القلب نور الإيمان والتوحيد والمعرفة، وثانيها: أن يحصل في الجوارح والأعضاء نور الطاعة والعبودية والخدمة، وثالثها: أن يحصل في الدنيا سهولة أسباب المعيشة من الأمن والصحة والكفاية ورابعها: أن يحصل عند الموت سهولة سكرات الموت وخامسها: أن يحصل في القبر سهولة السؤال، وسهولة ظلمة القبر.