إعجاز القرآن - الباقلاني - الصفحة ٢٠٦
ويتفاوت التفاوت الكثير في طرقه، ويضيق به النطاق في مذاهبه، ويرتبك (1) في أطرافه وجوانبه، ويسلمه للتكلف (2) الوحش كثرة تصرفه، ويحيله على التصنع الظاهر موارد تنقله وتخلصه.
/ ونظم القران في مؤتلفه ومختلفه، وفى فصله ووصله، وافتتاحه واختتامه، وفى كل نهج يسلكه، وطريق يأخذ فيه، وباب يتهجم عليه، ووجه يؤمه، على ما وصفه الله تعالى به - لا يتفاوت، كما قال: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (3). ولا يخرج عن تشابهه وتماثله، كما قال:
(قرآنا عربيا غير ذي عوج) (4). وكما قال: (كتابا متشابها) (5) ولا يخرج عن إبانته، كما قال: (بلسان عربي مبين) (6).
وغيره من الكلام كثير التلون، دائم التغير، [والتنكر] (7)، يقف بك على بديع مستحسن، ويعقبه بقبيح (8) مستهجن، ويطلع عليك بوجه الحسناء، ثم يعرض للهجر بخد القبيحة الشوهاء، ويأتيك باللفظة المستنكرة بين الكلمات التي هي كاللآلئ الزهر.
وقد يأتيك باللفظة الحسنة بين الكلمات البهم، وقد يقع إليك منه الكلام المثبج (9)، والنظم المشوش، والحديث المشوه.
وقد تجد منه ما لا يتناسب ولا يتشابه، ولا يتألف ولا يتماثل / وقد قيل في وصف ما جرى هذا المجرى:
وشعر كبعر الكبش فرق بينه * لسان دعى في القريض دخيل (10)

(1) م: " ويريبك " (2) م: " ويسلبه التكلف الوحش كثير " (3) سورة النساء: 82 (4) سورة الزمر: 28 (5) سورة الزمر: 23 (6) سورة الشعراء: 195 (7) الزيادة من م (8) س: " قبيح " (9) في اللسان 3 / 43 " الثبج: اضطراب الكلام ".
(10) في البيان والتبيين 1 / 66 " قال أبو العاصي: وأنشدني في ذلك أبو البيداء الرياحي:
وشعر إلخ... وأما قوله: " كبعر الكبش " فإنما ذهب إلى أن بعر الكبش يقع متفرقا غير مؤتلف ولا متجاوز. وكذلك حروف الكلام وأجزاء البيت من الشعر تراها متفقة ملساء، ولينة المعاطف سهلة، وتراها مختلفة متباينة، ومتنافرة مستكرهة، تشق على اللسان وتكده، والأخرى تراها سهلة لينة، ورطبة مواتية، سلسة النظام، خفيفة على اللسان، حتى كأن البيت بأسره كلمة واحدة، وحتى كأن الكلمة بأسرها حرف واحد "
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»
الفهرست