ولو كانوا في الفصاحة على مرتبة واحدة، وكانت صوارفهم وأسبابهم متفقة - لتوافوا إلى القبول جملة واحدة.
/ فإن قيل: فكيف يعرف البليغ الذي وصفتموه إعجاز القرآن؟ وما الوجه الذي يتطرق به إليه، والمنهاج الذي يسلكه، حتى يقف به على جلية الامر فيه؟
قيل: هذا سبيله أن يفرد له فصل.
* * * فإن قيل: فلم زعمتم أن البلغاء عاجزون عن الاتيان بمثله مع قدرتهم على صنوف البلاغات، وتصرفهم في أجناس الفصاحات؟ وهلا قلتم: إن من قدر على جميع هذه الوجوه البديعة بوجه (1) من هذه الطرق الغريبة - كان على مثل نظم القرآن قادرا، وإنما يصرفه الله عنه ضربا من الصرف، أو يمنعه من الاتيان بمثله ضربا من المنع، أو تقصر دواعيه [إليه] دونه، مع قدرته عليه. ليتكامل ما أراده الله من الدلالة، ويحصل ما قصده من إيجاب الحجة، لان من قدر على نظم كلمتين بديعتين، لم يعجز عن نظم مثلها، وإذا قدر على ذلك قدر على ضم الثانية إلى الأولى، وكذلك الثالثة، حتى يتكامل قدر الآية والسورة؟
فالجواب: أن لو صح ذلك لصح لكل من أمكنه نظم ربع بيت، أو مصراع من بيت - أن ينظم القصائد ويقول الاشعار، وصح لكل ناطق - قد يتفق في كلامه الكلمة البديعة - نظم الخطب البليغة والرسائل العجيبة! ومعلوم أن ذلك غير سائغ ولا ممكن.
على أن ذلك لو لم يكن معجزا على ما وصفناه من جهة نظمه / الممتنع، لكان مهما حط من رتبة البلاغة فيه، ومنع (2) من مقدار الفصاحة في نظمه، [كان] أبلغ في الأعجوبة (3)، إذا صرفوا عن الاتيان بمثله، ومنعوا من (4) معارضته، وعدلت دواعيهم عنه، فكان يستغنى عن إنزاله على النظم البديع، وإخراجه في (5) المعرض الفصيح العجيب.