وقد يمكن أن تعاد فاتحة كل سورة لفائدة (1) تخصها في النظم، إذا كانت حروفا، كنحو (ألم) لان الألف المبدوء بها هي أقصاها / مطلعا، واللام متوسطة، والميم متطرفة، لأنها تأخذ في الشفة. فنبه بذكرها على غيرها من الحروف، وبين أنه إنما أتاهم بكلام منظوم مما يتعارفون من الحروف التي تتردد بين هذين الطرفين.
ويشبه أن يكون التنصيف وقع في هذه الحروف دون الألف، لان الألف قد تلغى، وقد تقع الهمزة وهي موقعا واحدا.
* * * ومعنى عاشر، وهو: أنه سهل سبيله، فهو خارج عن الوحشي المستكره، والغريب المستنكر، وعن الصنعة المتكلفة. وجعله قريبا إلى الافهام، يبادر معناه لفظه إلى القلب، ويسابق المغزى منه عبارته إلى النفس. وهو مع ذلك ممتنع المطلب، عسير المتناول، غير مطمع مع قربه في نفسه، ولا موهم مع دنوه في موقعه أن يقدر عليه، أو يظفر به.
فأما الانحطاط عن هذه الرتبة إلى رتبة الكلام المبتذل، والقول المسفسف، فليس يصح أن تقع فيه فصاحة أو بلاغة، فيطلب فيه الممتنع (2)، أو يوضع فيه الاعجاز.
ولكن لو وضع في وحشى مستكره، أو غمر بوجوه الصنعة، وأطبق بأبواب التعسف والتكلف - لكان لقائل أن يقول فيه ويعتذر، أو يعيب ويقرع.
ولكنه أوضح مناره، وقرب منهاجه، وسهل سبيله، وجعله في ذلك متشابها متماثلا، وبين مع ذلك إعجازهم فيه.
/ وقد علمت أن كلام فصحائهم، وشعر بلغائهم لا ينفك من تصرف في غريب مستنكر، أو وحشى مستكره، ومعان مستبعدة. ثم عدولهم إلى كلام مبتذل وضيع لا يوجد دونه في الرتبة، ثم تحولهم إلى كلام معتدل بين الامرين، متصرف بين المنزلتين.
فمن شاء أن يتحقق هذا نظر في قصيدة امرئ القيس:
* قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *