هذا لما تعذر (1) عليهم مع التحدي والتقريع الشديد والحاجة الماسة إليه، مع علمهم بطريق وضع النظم والنثر، وتكامل أحوالهم فيه - دل على أنه اختص به ليكون دلالة على النبوة ومعجزة على الرسالة. ولولا ذلك لكان القوم إذا اهتدوا في الابتداء إلى وضع هذه الوجوه التي يتصرف إليها الخطاب على براعته وحسن انتظامه، فلان يقدروا بعد التنبيه على وجهه والتحدي إليه، أولى أن يبادروا إليه، لو كان لهم إليه سبيل.
/ ولو كان الامر على ما ذكره السائل: لوجب أن لا يتحيروا في أمرهم، أو لا تدخل عليهم شبهة فيما نابهم (2)، ولكانوا يسرعون إلى الجواب ويبادون إلى المعارضة.
ومعلوم من حالهم أن الواحد منهم يقصد إلى الأمور البعيدة عن الوهم، والأسباب التي لا يحتاج إليها، فيكثر فيها من شعر ورجز، ونجد من يعينه على نقله عنه، على ما قدمنا ذكره من وصف الإبل ونتاجها، وكثير من أمرها لا فائدة في الاشتغال به في دين ولا دنيا.
ثم كانوا يتفاخرون باللسن والذلاقة والفصاحة والذرابة (3)، ويتنافرون فيه وتجري بينهم فيه الأسباب المنقولة في الآثار، على ما لا يخفى على أهله.
فاستدللنا بتحيرهم في أمر (4) القرآن على خروجه من عادة كلامهم، ووقوعه موقعا يخرق العادات. وهذه سبيل المعجزات.
فبان بما قلنا أن الحروف التي وقعت في الفواصل متناسبة موقع النظائر التي تقع في الأسجاع، لا يخرجها عن حدها، ولا يدخلها في باب السجع.
وقد بينا أنهم يذمون كل سجع خرج عن اعتدال الاجزاء، فكان / بعض مصاريعه (5) كلمتين، وبعضها أربع (6) كلمات، ولا يرون في ذلك فصاحة، بل يرونه عجزا.
فلو رأوا أن ما تلى عليهم من القرآن سجع لقالوا: نحن نعارضه بسجع