البراعة فيها، وفى العربية، فقد وقفوا على أنه ليس فيها / من التفاضل والفصاحة، ما يقع في العربية. ومعنى آخر، وهو أنا لم نجد أهل التوراة والإنجيل ادعوا الاعجاز لكتابهم، ولا ادعى لهم المسلمون. فعلم أن الاعجاز مما يختص به القرآن.
ويبين هذا أن الشعر لا يتأتى في تلك الألسنة، على ما قد اتفق في العربية.
وإن كان قد يتفق منها صنف أو أصناف ضيقة، لم يتفق فيها من البديع ما يمكن ويتأتى في العربية، وكذلك لا يتأتى في الفارسية جميع الوجوه التي تتبين فيها الفصاحة على ما يتأتى في العربية.
فإن قيل: فإن المجوس تزعم أن كتاب زرادشت، وكتاب مانى معجزان؟
قيل: الذي يتضمنه كتاب مانى، من طرق النيرنجات (1)، وضروب من الشعوذة، ليس يقع فيه إعجاز. ويزعمون أن في كتاب الحكم، وهي حكم منقولة، متداولة على الألسن (2)، لا تختص بها أمة دون أمة، وإن كان بعضهم أكثر اهتماما بها، وتحصيلا لها، وجمعا لأبوابها.
وقد ادعى قوم أن " ابن المقفع " عارض القرآن، وإنما فزعوا إلى " الدرة " و " التليمية ". وهما كتابان: أحدهما يتضمن حكما منقولة، توجد عند / حكماء كل أمة مذكورة بالفضل. فليس فيها (3) شئ بديع من لفظ ولا معنى.
والآخر في شئ من الديانات، وقد تهوس فيه بما لا يخفى على متأمل.
وكتابه الذي بيناه في الحكم، منسوخ من كتاب بزرجمهر في الحكمة.
فأي صنع له في ذلك؟ وأي فضيلة حازها فيما جاء به؟
وبعد، فليس يوجد له كتاب يدعى مدع أنه عارض فيه القرآن، بل يزعمون أنه اشتغل بذلك مدة، ثم مزق ما جمع، واستحيا لنفسه من إظهاره. فإن كان كذلك، فقد أصاب وأبصر القصد، ولا يمتنع أن يشتبه عليه الحال في الابتداء ثم يلوح له رشده، ويتبين له أمره، وينكشف له عجزه. ولو كان بقى على اشتباه الحال عليه، لم يخف علينا موضع غفلته، ولم يشتبه لدينا وجه شبهته.
ومتى أمكن أن تدعى الفرس في شئ من كتبها أنه معجز في حسن تأليفه، وعجيب نظمه؟