في ظلال (1) القلة والذلة، وأقدارهم بالعين التي يجب أن تلحظ بها، ومراتبهم بحيث يجب (2) أن ترتبها؟
هذا كله في تأمل الكلام ونظامه، وعجيب معانيه وأحكامه.
فإن جئت إلى ما انبسط في العالم من بركته وأنواره، وتمكن في الآفاق من يمنه وأضوائه، وثبت في القلوب من إكباره وإعظامه، وتقرر في النفوس من حتم أمره ونهيه، ومضى في الدماء (3) من مفروض حكمه، وإلى أنه جعل عماد (4) الصلاة التي هي تلو الايمان في التأكيد، وثانية التوحيد في الوجوب.
وفرض (5) حفظه، ووكل الصغار والكبار بتلاوته، وأمر عند افتتاحه بما أمر به لتعظيمه، من قوله: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) (6) لم يؤمر بالتعوذ لافتتاح أمر كما أمر به لافتتاحه، فهل يدلك هذا على عظيم شأنه، وراجح ميزانه، وعالي مكانه.
وجملة الامر أن نقد الكلام شديد، وتمييزه صعب.
ومما كتب إلى الحسن بن عبد الله العسكري: [قال] (7) أخبرني / أبو بكر ابن دريد قال: سمعت أبا حاتم يقول: سمعت الأصمعي يقول: فرسان الشعر (8) أقل من فرسان الحرب.
وقال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: العلماء بالشعر أعز من الكبريت الأحمر.
وإذا كان الكلام المتعارف المتداول بين الناس، يشق تمييزه، ويصعب نقده، ويذهب عن محاسنه الكثير (9)، وينظرون إلى كثير من قبيحة بعين الحسن، وكثير من حسنه بعين القبح، ثم يختلفون في الأحسن منه اختلافا كثيرا، وتتباين آراؤهم في تفضيل ما يفضل منه - فكيف لا يتحيرون فيما لا يحيط به علمهم، ولا يتأتى في مقدورهم، ولا يمثل بخواطرهم؟ وقد حير القوم الذين لم يكن أحد أفصح منهم.