ومعنى سادس: وهو أن الذي ينقسم عليه الخطاب، من البسط والاقتصار، والجمع والتفريق، والاستعارة والتصريح، والتجوز والتحقيق، ونحو ذلك من الوجوه التي توجد في كلامهم - موجودة في القرآن. وكل ذلك مما يتجاوز حدود كلامهم المعتاد بينهم، في الفصاحة / والابداع والبلاغة. وقد ضمنا بيان ذلك [من] بعد، لان الوجه ههنا ذكر المقدمات، دون البسط والتفصيل.
* * * ومعنى سابع، وهو أن المعاني التي تضمنها (1) في أصل وضع الشريعة والاحكام، والاحتجاجات في أصل الدين، والرد على الملحدين، على تلك الألفاظ البديعة، وموافقة بعضها بعضا في اللطف والبراعة، مما يتعذر على البشر ويمتنع، وذلك (2) أنه قد علم أن تخير الألفاظ للمعاني المتداولة المألوفة، والأسباب الدائرة بين الناس، أسهل وأقرب من تخير الألفاظ لمعان مبتكرة، وأسباب مؤسسة مستحدثة، فإذا برع اللفظ في المعنى البارع، كان ألطف وأعجب من أن يوجد اللفظ البارع في المعنى المتداول المتكرر، والامر المتقرر المتصور، ثم انضاف إلى ذلك التصرف البديع في الوجوه التي تتضمن تأييد ما يبتدأ تأسيسه، ويراد تحقيقه - بان التفاضل في البراعة والفصاحة، ثم إذا وجدت الألفاظ وفق المعنى، والمعاني وفقها، لا يفضل أحدهما على الآخر - فالبراعة أظهر، والفصاحة أتم.
* * * ومعنى ثامن، وهو أن الكلام يتبين فضله ورجحان فصاحته، / بأن تذكر منه الكلمة في تضاعيف كلام، أو تقذف ما بين شعر، فتأخذها (3) الاسماع، وتتشوف إليها النفوس، ويرى وجه رونقها باديا غامرا سائر ما تقرن (3) به، كالدرة التي ترى في سلك من خرز، وكالياقوتة في واسطة العقد.
وأنت ترى الكلمة من القرآن يتمثل بها في تضاعيف كلام كثير، وهي غرة جميعه، وواسطة عقده، والمنادي على نفسه بتميزه وتخصصه، برونقه وجماله