ونحن نذكر بعد هذا على التفصيل ما تتصرف إليه هذه القصيدة ونظائرها ومنزلتها من البلاغة، ونذكر وجه فوت نظم القرآن محلها، على وجه يؤخذ باليد، ويتناول من كثب، ويتصور في النفس كتصور الاشكال، ليتبين ما ادعيناه من الفصاحة العجيبة للقرآن.
واعلم أن من قال من أصحابنا: إن الاحكام معللة بعلل موافقة لمقتضى العقل - جعل هذا وجها من وجوه الاعجاز، وجعل هذه الطريقة دلالة فيه، كنحو ما يعللون به الصلاة، ومعظم الفروض وأصولها. ولهم في كثير من تلك العلل طرق قريبة، ووجوه تستحسن.
وأصحابنا من أهل " خراسان " يولعون بذلك، ولكن الأصل الذي يبنون عليه عندنا غير مستقيم. وفى ذلك كلام يأتي في " كتابنا في الأصول ".
وقد يمكن في تفاصيل ما أوردنا من المعاني الزيادة والافراد، فإنا جمعنا بين أمور، وذكرنا المزية المتعلقة بها، وكل واحد من تلك / الأمور مما قد يمكن اعتماده في إظهار الاعجاز فيه.
فإن قيل: فهل تزعمون أنه معجز، لأنه حكاية لكلام القديم سبحانه، أو لأنه عبارة عنه، أو لأنه قديم في نفسه؟
قيل: لسنا نقول بأن الحروف قديمة، فكيف يصح التركيب على الفاسد؟
ولا نقول أيضا: إن وجه الاعجاز في نظم القرآن [من أجل] أنه حكاية عن كلام الله (1)، لأنه لو كان كذلك لكانت التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله عز وجل معجزات في النظم والتأليف. وقد بينا أن إعجازها في غير ذلك.
وكذلك كان يجب أن تكون كل كلمة مفردة معجزة بنفسها ومنفردها، وقد ثبت خلاف ذلك.