وإذا هو يريد هذا بعينه: أن يعمل الأبيات فلا يصيب فيها بيت نادر (1)، كما أن الرامي إذا رمى برشقة فلم يصب بشئ (2)، قيل: قد أخلى. قال (3): وكان " علي بن الجهم " أحسن الناس علما بالشعر (4).
وقوم من أهل اللغة يميلون إلى الرصين من الكلام، الذي يجمع الغريب والمعاني، مثل أبى عمرو بن العلاء، وخلف الأحمر، والأصمعي.
/ ومنهم من يختار الوحشي من الشعر، كما اختار المفضل (5) للمنصور من " المفضليات " وقيل: إنه اختار ذلك لميله إلى ذلك الفن.
وذكر الحسن بن عبد الله: أنه أخبره بعض الكتاب عن علي بن العباس، قال: حضرت مع البحتري مجلس عبيد الله بن عبد الله بن طاهر (6)، وقد سأل البحتري عن أبي نواس ومسلم بن الوليد: أيهما أشعر؟ فقال البحتري:
أبو نواس أشعر. فقال عبيد الله: إن أبا العباس ثعلبا لا يطابقك على قولك، ويفضل مسلما.
فقال البحتري: ليس هذا من عمل ثعلب وذويه من المتعاطين لعلم الشعر دون عمله، إنما يعلم ذلك من دفع في مسلك (7) الشعر إلى مضايقه، وانتهى إلى ضرواته (8).
فقال له عبيد الله (9): وريت بك زنادى يا أبا عبادة، وقد وافق حكمك حكم أخيك بشار بن برد في جرير والفرزدق، [فإن دعبلا حدثني عن أبي نواس، أنه حضر بشارا، وقد سئل عن جرير والفرزدق، و] (10) أيهما أشعر؟ فقال: جرير أشعرهما. فقيل له: / بماذا؟ فقال: لان جريرا يشتد، إذا شاء، وليس كذلك الفرزدق، لأنه يشتد أبدا.
فقيل له: فإن يونس وأبا عبيدة يفضلان الفرزدق على جرير.