ونفور الطبع، وشراد (1) الكلام، وتهافت القول، وتمنع جانبه، وقصورك في الايضاح عن واجبه. ثم لا تقدر على أن تنتقل من قصة إلى قصة، وفصل إلى فصل، حتى تتبتر (2) عليك مواضع الوصل، وتستصعب عليك أماكن الفصل، ثم لا يمكنك أن تصل بالقصص مواعظ زاجرة، وأمثالا سائرة وحكما جليلة، وأدلة على التوحيد بينة، وكلمات في التنزيه والتحميد (3) شريفة.
/ وإن أردت أن تتحقق ما وصفت لك، فتأمل شعر من شئت من الشعراء المفلقين، هل تجد كلامه في المديح والغزل والفخر والهجو يجرى مجرى كلامه في ذكر القصص؟
إنك لتراه إذا جاء إلى وصف وقعة (4)، أو نقل خبر، عامي الكلام، سوقي الخطاب، مسترسلا في أمره، متساهلا في كلامه، عادلا عن المألوف من طبعه، وناكبا عن المعهود في سجيته. فإن اتفق له في قصة كلام جيد، كان قدر ثنتين أو ثلاثة، وكان ما زاد عليها حشوا، وما تجاوزها لغوا. ولا أقول:
إنها تخرج من عادته عفوا، لأنه يقصر عن العفو، ويقف دون العرف، ويتعرض للركاكة.
فإن لم تقنع بما قلت لك من الآيات (5)، فتأمل غير ذلك من السور (6)، هل تجد الجميع على ما وصفت لك؟
لو لم تكن إلا سورة واحدة لكفت في الاعجاز، فكيف بالقرآن العظيم؟
ولو لم يكن إلا حديث من سورة لكفى، وأقنع وشفى.
ولو عرفت قدر قصة موسى وحدها من سورة الشعراء، لما طلبت بينة سواها.
بل قصة من قصصه، وهي قوله: (وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي، إنكم متبعون) (7) إلى قوله: (فأخرجناهم من جنات / وعيون، وكنوز ومقام