/ وليس هذا بأعجب مما ذهب إليه فريق منهم: أن الكل قادرون على الاتيان بمثله، وإنما يتأخرون عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلموه لوصلوا إليه به.
ولا بأعجب من قول فريق منهم: إنه لا فرق بين كلام البشر وكلام الله تعالى في هذا الباب، وإنه يصح من كل واحد منهما الاعجاز على حد واحد.
* * * فإن قيل: فهل تقولون بأن غير القرآن من كلام الله عز وجل معجز، كالتوراة والإنجيل والصحف؟
قيل: ليس شئ من ذلك بمعجز (1) في النظم والتأليف، وإن كان معجزا كالقرآن فيما يتضمن من الاخبار عن الغيوب (2).
وإنما لم يكن معجزا لان الله تعالى لم يصفه بما وصف به القرآن، ولانا قد علمنا أنه لم يقع التحدي إليه كما وقع التحدي إلى القرآن.
ولمعنى آخر، وهو أن ذلك اللسان لا يتأتى فيه من وجوه الفصاحة، ما يقع به التفاضل الذي ينتهى إلى حد الاعجاز، ولكنه يتقارب. وقد رأيت أصحابنا يذكرون هذا في سائر الألسنة، ويقولون: ليس / يقع فيها من التفاوت ما يتضمن التقديم العجيب. ويمكن بيان ذلك بأنا (3) لا نجد في القدر الذي نعرفه من الألسنة للشئ الواحد، من الأسماء ما نعرف من اللغة، وكذلك لا نعرف فيها الكلمة الواحدة تتناول المعاني الكثيرة على ما تتناوله العربية، وكذلك التصرف في الاستعارات والإشارات، ووجوه الاستعمالات البديعة، التي يجئ تفصيلها بعد هذا.
ويشهد لذلك من القرآن: أن الله تعالى وصفه بأنه: (بلسان عربي مبين) (4).
وكرر ذلك في مواضع كثيرة، وبين أنه رفعه عن أن يجعله أعجميا.
فلو كان يمكن في لسان العجم إيراد مثل فصاحته، لم يكن ليرفعه عن هذه المنزلة. وأنه وإن كان يمكن أن يكون من فائدة قوله: إنه عربي مبين، أنه مما يفهمونه ولا يفتقرون فيه إلى الرجوع إلى غيرهم، ولا يحتاجون في تفسيره إلى سواهم (5)، فلا يمتنع أن يفيد ما قلناه أيضا، كما أفاد بظاهره ما قدمناه.
ويبين ذلك أن كثيرا من المسلمين قد عرفوا تلك الألسنة، وهم من أهل