فإن قيل: هذه دعوى منكم، وذلك أنه لا سبيل لنا إلى أن نعلم عجز الجن عن [الاتيان] بمثله، وقد يجوز أن يكونوا قادرين على الاتيان بمثله، وإن كنا عاجزين، كما أنهم قد يقدرون على أمور لطيفة، / وأسباب غامضة دقيقة، لا نقدر نحن عليها، ولا سبيل لنا - للطفها - إليها. وإذا كان كذلك، لم يكن إلى علم ما ادعيتم سبيل.
قيل: قد يمكن أن نعرف ذلك بخبر الله عز وجل. وقد يمكن أن يقال: إن هذا الكلام خرج على ما كانت العرب تعتقده من مخاطبة الجن، وما يروون لهم من الشعر، ويحكون عنهم من الكلام، وقد علمنا أن ذلك محفوظ عندهم منقول عنهم. والقدر الذي نقلوه [من ذلك] قد تأملناه، فهو في الفصاحة لا يتجاوز حد فصاحة الانس، ولعله يقصر عنها. ولا يمتنع أن يسمع كلامهم، ويقع بينهم وبينهم محاورات في عهد الأنبياء، صلوات الله عليهم، وذلك الزمان مما لا يمتنع فيه وجود ما ينقض العادات. على أن القوم إلى الآن يعتقدون مخاطبة الغيلان، ولهم أشعار محفوظة مدونة (1) في دواوينهم. قال تأبط شرا (2):
وأدهم قد جبت جلبابه * كما اجتابت الكاعب الخيعلا (3) إلى أن حدا الصبح أثناءه * ومزق جلبابه الأليلا (4) / على شيم نار تنورتها * فبت لها مدبرا مقبلا (5) فأصبحت والغول لي جارة * فيا جارتا أنت ما أهولا وطالبتها بضعها، فالتوت * بوجه تهول واستغولا (6) فمن سال أين ثوت جارتي * فإن لها باللوى منزلا وكنت إذا ما هممت اعتزمت * وأحر إذا قلت أن أفعلا