لهم تؤدى تلك المعاني ونحوها (1)، وجعلوها بإزاء ما جاء به، وتوصلوا بذلك إلى تكذيبه، وإلى مساواته فيما [حكى و] جاء به. وكيف وقد قال لهم: (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) (2). فعلى هذا يكون المقصد - بتقديم بعض الكلمات (3) وتأخيرها - إظهار الاعجاز (4) على الطريقين جميعا، دون السجع (5) الذي توهموه.
فإن قال قائل: القرآن مختلط من أوزان كلام العرب، ففيه من جنس خطبهم، ورسائلهم [وشعرهم] وسجعهم، وموزون كلامهم الذي هو غير مقفى، ولكنه أبدع فيه ضربا من الابداع، لبراعته وفصاحته.
قيل: قد علمنا أن كلامهم ينقسم إلى نظم ونثر، وكلام مقفى غير موزون [وكلام موزون غير مقفى] (6)، ونظم موزون ليس بمقفى كالخطب والسجع، ونظم مقفى موزون له روى.
/ ومن هذه الأقسام ما هو سجية الأغلب من الناس، فتناوله أقرب، وسلوكه لا يتعذر. ومنه ما هو أصعب تناولا، كالموزون عند بعضهم، والشعر عند الآخرين (7).
وكل هذه الوجوه لا تخرج عن أن تقع لهم بأحد أمرين: إما بتعمل وتكلف وتعلم (8) وتصنع، أو باتفاق من الطبع وقذف من النفس على اللسان للحاجة إليه.
ولو كان ذلك مما يجوز اتفاقه من الطبائع، لم ينفك العالم من قوم يتفق ذلك منهم، ويعرض (9) على ألسنتهم، وتجيش به خواطرهم، ولا ينصرف (10) عنه الكل، مع شدة الدواعي إليه.
ولو كان طريقه التعلم لتصنعوه ولتعلموه (11) والمهلة لهم فسيحة، والأمد واسع.