بينه وبين غيره من الكلام، ولا يرضى بذلك حتى يفضله عليه!
وليس هذا ببديع من ملحدة هذا العصر، وقد سبقهم إلى عظم (1) / ما يقولونه إخوانهم من ملحدة قريش وغيرهم. إلا أن أكثر من كان طعن فيه في أول أمره استبان رشده، وأبصر قصده، فتاب وأناب، وعرف من (2) نفسه الحق بغريزة طبعه، وقوة إتقانه، لا لتصرف لسانه، بل لهداية (3) ربه وحسن توفيقه. والجهل في هذا الوقت أغلب، والملحدون (4) فيه عن الرشد أبعد، وعن الواجب أذهب.
وقد كان يجوز أن يقع ممن عمل الكتب النافعة في معاني القرآن، وتكلم في فوائده من أهل صنعة العربية وغيرهم من أهل صناعة الكلام، أن يبسطوا القول في الإبانة عن وجه معجزته، والدلالة على مكانه. فهو أحق بكثير مما صنفوا فيه من القول في الجزء {والطفرة} (5)، ودقيق الكلام في الاعراض، وكثير من بديع الاعراب وغامض النحو. فالحاجة إلى هذا أمس، والاشتغال به أوجب.
وقد قصر بعضهم في هذه المسألة، حتى أدى ذلك إلى تحول قوم منهم إلى مذاهب البراهمة فيها، ورأوا أن عجز أصحابهم عن نصرة هذه المعجزة يوجب أن لا مستنصر (6) فيها، ولا وجه لها، حين رأوهم قد برعوا في لطيف ما أبدعوا، وانتهوا إلى الغاية فيما أحدثوا / ووضعوا. ثم رأوا ما صنفوه في هذا المعنى غير كامل في بابه، ولا مستوفى في وجهه، قد أخل بتهذيب طرقه، وأهمل ترتيب بيانه.
وقد يعذر بعضهم في تفريط يقع منه فيه، وذهاب عنه، لان هذا الباب مما لا يمكن إحكامه إلا بعد (7) التقدم في أمور شريفة المحل، عظيمة المقدار، دقيقة المسلك لطيفة المأخذ.