وقد يتبرأ الكلام المتصل بعضه من بعض، ويظهر عليه التثبيج (1) والتباين، للخلل الواقع في النظم.
وقد تصور هذا الفصل للطفه وصلا، ولم يبن عليه تميز الخروج.
ثم انظر كيف أجرى هذا الخطاب إلى ذكر نوح، وكيف أثنى عليه؟
وكيف تليق صفته بالفاصلة ويتم النظم بها، مع خروجها مخرج البروز من الكلام الأول، إلى ذكره، وإجرائه إلى مدحه بشكره، وكونهم من ذريته يوجب عليهم أن يسيروا بسيرته، وأن يستنوا بسنته، في أن يشكروا كشكره، ولا يتخذوا من دون الله وكيلا، وأن يعتقدوا تعظيم تخليصه إياهم من الطوفان، لما (2) حملهم عليه ونجاهم فيه، حين أهلك من عداهم به، وقد عرفهم أنه إنما يؤاخذهم بذنوبهم وفسادهم، فيما سلط عليهم من قبلهم وعاقبهم، ثم عاد عليهم بالافضال والاحسان، حتى يتذكروا ويعرفوا قدر نعمة الله عليهم وعلى نوح الذي ولدهم وهم من ذريته، فلما عادوا إلى جهالتهم، وتمردوا في طغيانهم، عاد عليهم بالتعذيب.
/ ثم ذكر الله عز وجل في ثلاث آيات بعد ذلك معنى هذه القصة التي كانت لهم، بكلمات قليلة في العدد، كثيرة الفوائد، لا يمكن شرحها إلا بالتفصيل الكثير، والكلام الطويل.
ثم لم يخل تضاعيف الكلام مما ترى من الموعظة، على أعجب تدريج، وأبدع تأريج (3)، بقوله: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم فلها) (4).
ولم ينقطع بذلك [نظام] (5) الكلام، وأنت ترى الكلام يتبدد مع اتصاله، وينتشر مع انتظامه، فكيف بإلقاء ما ليس منه في أثنائه، وطرح ما يعدوه (6) في أدراجه؟
إلى أن خرج إلى قوله: (عسى ربكم أن يرحمكم، وإن عدتم عدنا) (7) يعنى: إن عدتم إلى الطاعة عدنا إلى العفو.