ما يبالي إذا انتحاه بضرب * أشمال سطت به أم يمين (1) * * * وإنما يوازن شعر البحتري بشعر شاعر من طبقته، ومن أهل عصره، ومن هو في مضماره أو في منزلته.
ومعرفة أجناس الكلام، والوقوف على أسراره، والوقوف على مقداره، شئ - وإن كان عزيزا، وأمر - وإن كان بعيدا - فهو سهل على أهله، مستجيب لأصحابه، مطيع لأربابه، ينقدون الحروف، ويعرفون الصروف.
وإنما تبقى الشبهة في ترتيب الحال بين البحتري، وأبى تمام، وابن الرومي، وغيره.
ونحن وإن كنا نفضل البحتري بديباجة شعره، على ابن الرومي / وغيره من أهل زمانه - نقدمه بحسن عبارته، وسلاسة كلامه (2)، وعذوبة ألفاظه، وقلة تعقد قوله.
والشعر قبيل ملتمس مستدرك، وأمر ممكن مطيع (3).
ونظم القرآن عال عن أن يعلق به الوهم، أو يسمو إليه الفكر، أو يطمع فيه طامع، أو يطلبه طالب: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) (4).
وكنت قد ذكرت لك قبل هذا: أنك إن كنت بصنعة علم اللسان متدربا، وفيه متوجها متقدما، أمكنك الوقوف على ما ذكرنا، والنفوذ فيما وصفنا، وإلا فاجلس في مجلس المقلدين، وارض بمواقف المتحيرين.
ونصحت لك حيث قلت: انظر، هل تعرف عروق الذهب، ومحاسن الجوهر، وبدائع الياقوت، ودقائق (5) السحر، من غير معرفة بأسباب هذه الأمور ومقدماتها؟ وهل يقطع سمت البلاد من غير اهتداء فيها؟