ثم تأمل قوله: وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، والله يقضى بالحق، والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ، إن الله هو السميع البصير) (1).
كل كلمة من ذلك على ما قد وصفتها (2): من أنه إذا رآها الانسان في رسالة كانت عينها، أو في خطبة كانت وجهها أو قصيدة كانت (3) غرة غرتها، وبيت قصيدتها، كالياقوتة التي تكون فريدة العقد، وعين القلادة، ودرة الشذر، إذا وقع بين كلام وشحه، وإذا ضمن (4) في نظام زينه، وإذا اعترض في خطاب تميز عنه، وبان بحسنه منه.
ولست أقول هذا لك في آية، دون آية، وسورة دون سورة، وفصل دون فصل، وقصة دون قصة، ومعنى دون معنى، لأني قد شرحت لك أن الكلام في حكاية القصص والاخبار، وفى الشرائع / والاحكام، وفى الديانة والتوحيد، وفى الحجج والتثبيت، هو خلاف الكلام فيما عدا هذه الأمور.
ألا ترى أن الشاعر المفلق إذا جاء إلى الزهد قصر، والأديب إذا تكلم في بيان الاحكام وذكر الحلال والحرام، لم يكن كلامه على حسب كلامه في غيره.
ونظم القرآن لا يتفاوت في شئ، ولا يتباين في أمر، ولا يختل في حال، بل له المثل الأعلى، والفضل الأسنى.
وفيما شرحناه لك كفاية، وفيما بيناه بلاغ.
* * * ونذكر في الأحكاميات وغيرها آيات أخر:
منها قوله: (يسئلونك ماذا أحل لهم؟ قل: أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين، تعلمونهن مما علمكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم، واذكروا اسم الله عليه، واتقوا الله، إن الله سريع الحساب) (5).