وقوله: حين من الدهر اختلف أهل التأويل في قدر هذا الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو أربعون سنة وقالوا: مكثت طينة آدم مصورة لا تنفخ فيها الروح أربعين عاما، فذلك قدر الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع قالوا: ولذلك قيل:
هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا لأنه أتى عليه وهو جسم مصور لم تنفخ فيه الروح أربعون عاما، فكان شيئا، غير أنه لم يكن شيئا مذكورا قالوا: ومعنى قوله: لم يكن شيئا مذكورا: لم يكن شيئا له نباهة ولا رفعة، ولا شرف، إنما كان طينا لازبا وحمأ مسنونا.
وقال آخرون: لا حد للحين في هذا الموضع وقد يدخل هذا القول من أن الله أخبر أنه أتى على الانسان حين من الدهر، وغير مفهوم في الكلام أن يقال: أتى على الانسان حين قبل أن يوجد، وقبل أن يكون شيئا، وإذا أريد ذلك قيل: أتى حين قبل أن يخلق، ولم يقل أتى عليه. وأما الدهر في هذا الموضع، فلا حد له يوقف عليه.
وقوله: إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه يقول تعالى ذكره: إنا خلقنا ذرية آدم من نطفة، يعني: من ماء الرجل وماء المرأة، والنطفة: كل ماء قليل في وعاء كان ذلك ركية أو قربة، أو غير ذلك، كما قال عبد الله بن رواحة:
هل أنت إلا نطفة في شنه وقوله: أمشاج يعني: أخلاط، واحدها: مشج ومشيج، مثل خدن وخدين ومنه قول رؤبة بن العجاج:
يطرحن كل معجل نشاج * لم يكس جلدا في دم أمشاج