عناه الله في هذا الموضع: ما جاوز الحد الذي أباحه الله لعباده إلى ما فوقه، والاقتار: ما قصر عما أمر الله به، والقوام: بين ذلك.
وإنما قلنا إن ذلك كذلك، لان المسرف والمقتر كذلك ولو كان الاسراف والاقتار في النفقة مرخصا فيهما ما كانا مذمومين، ولا كان المسرف ولا المقتر مذموما، لان ما أذن الله في فعله فغير مستحق فاعله الذم.
فإن قال قائل: فهل لذلك من حد معروف تبينه لنا؟ قيل: نعم، ذلك مفهوم في كل شئ من المطاعم والمشارب والملابس والصدقة وأعمال البر وغير ذلك، نكره تطويل الكتاب بذكر كل نوع من ذلك مفصلا، غير أن جملة ذلك هو ما بينا، وذلك نحو أكل آكل من الطعام فوق الشبع ما يضعف بدنه، وينهك قواه، ويشغله عن طاعة ربه، وأداء فرائضه، فذلك من السرف، وأن يترك الأكل وله إليه سبيل حتى يضعف ذلك جسمه، وينهك قواه، ويضعفه عن أداء فرائض عن أداء فرائض ربه، فذلك من الاقتار، وبين ذلك القوام على هذا، النحو كل ما جانس ما ذكرنا. فأما اتخاذ الثوب للجمال، يلبسه عند اجتماعه مع الناس، وحضوره المحافل والجمع والأعياد، دون ثوب مهنته، أو أكله من الطعام ما قواه على عبادة ربه، مما ارتفع عما قد يسد الجوع، مما هو دونه من الأغذية، غير أنه لا يعين البدن على القيام لله بالواجب معونته، فذلك خارج عن معنى الاسراف، بل ذلك من القوام، لان النبي (ص) قد أمر ببعض ذلك، وحض على بعضه، كقوله: ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين.
ثوبا لمهنته، وثوبا لجمعته وعيده وكقوله: إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن يرى أثره عليه، وما أشبه ذلك من الاخبار التي قد بيناها في مواضعها.
وأما قوله: وكان بين ذلك قواما فإنه النفقة بالعدل والمعروف، على ما قد بينا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
20118 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن أبي سليمان، عن وهب بن منبه، في قوله وكان بين ذلك قواما قال: الشطر من أموالهم.
20119 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله وكان بين ذلك قواما: النفقة بالحق.