تعقلون يقول: إن كان لكم عقول تعقلون بها ما يقال لكم، وتفهمون بها ما تسمعون مما يعين لكم. فلما أخبرهم عليه السلام بالأمر الذي علموا أنه الحق الواضح، إذ كان فرعون ومن قبله من ملوك مصر لم يجاوز ملكهم عريش مصر، وتبين لفرعون ومن حوله من قومه أن الذي يدعوهم موسى إلى عبادته، هو الملك الذي يملك الملوك. قال فرعون حينئذ استكبارا عن الحق، وتماديا في الغي لموسى: لئن اتخذت آلها غيري يقول: لئن أقررت بمعبود سواي لأجعلنك من المسجونين يقول: لأسجننك مع من في السجن من أهله. القول في تأويل قوله تعالى:
* (قال أولو جئتك بشئ مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين) *.
يقول تعالى ذكره: قال موسى لفرعون لما عرفه ربه، وأنه رب المشرق والمغرب، ودعاه إلى عبادته وإخلاص الألوهة له، وأجابه فرعون بقوله لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين: أتجعلني من المسجونين ولو جئتك بشئ مبين يبين لك صدق ما أقول يا فرعون وحقيقة ما أدعوك إليه؟ وإنما قال ذلك له، لان من أخلاق الناس السكون للانصاف، والإجابة إلى الحق بعد البيان فلما قال موسى له ما قال من ذلك، قال له فرعون: فأت بالشئ المبين حقيقة ما تقول، فإنا لن نسجنك حينئذ إن اتخذت إلها غيري إن كنت من الصادقين: يقول: إن كنت محقا فيما تقول، وصادقا فيما تصف وتخبر.
فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين يقول جل ثناؤه: فألقى موسى عصاه فتحولت ثعبانا، وهي الحية الذكر كما قد بينت فيما مضى قبل من صفته وقوله مبين يقول: يبين لفرعون والملا من قومه أنه ثعبان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
20214 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس، قوله فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين يقول: مبين له خلق حية. وقوله: ونزع يده فإذا هي بيضاء يقول: وأخرج موسى يده من جيبه فإذا هي بيضاء تلمع للناظرين لمن ينظر إليها ويراها.