وقد تجوز الياء على هذا الوجه كما يقال في الكلام: قالوا لنكرمن أباك، وليكرمن أباك، وبالنون قرأ ذلك قراء المدينة، وعامة قراء البصرة وبعض الكوفيين. وأما الأغلب على قراء أهل الكوفة، فقراءته بالياء، وضم التاء جميعا. وأما بعض المكيين، فقرأه بالياء.
وأعجب القراءات في ذلك إلي النون، لان ذلك أفصح الكلام على الوجهين اللذين بينت من النصب والجزم، وإن كان كل ذلك صحيحا غير فاسد لما وصفت. وأكرهها إلي القراءة بها الياء، لقلة قارئ ذلك كذلك.] وقوله: لنبيتنه قال: ليبيتن صالحا ثم يفتكوا به.
20586 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: (قال) التسعة الذين عقروا الناقة: هلم فلنقتل صالحا، فإن كان صادقا، يعني فيما وعدهم من العذاب بعد الثلاث، عجلناه قبله، وإن كان كاذبا نكون قد ألحقناه بناقته. فأتوه ليلا ليبيتوه في أهله، فدمغتهم الملائكة بالحجارة فلما أبطأوا على أصحابهم أتوا منزل صالح، فوجدوهم مشدوخين قد رضخوا بالحجارة. وقوله: وإنا لصادقون نقول لوليه: وإنا لصادقون، أنا ما شهدنا مهلك أهله. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين) *.
يقول تعالى ذكره: وغدر هؤلاء التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض بصالح بمصيرهم إليه ليلا ليقتلوه وأهله، وصالح لا يشعر بذلك ومكرنا مكرا يقول: فأخذناهم بعقوبتنا إياهم، وتعجيلنا العذاب لهم وهم لا يشعرون بمكرنا.
وقد بينا فيما مضى معنى: مكر الله بمن مكر به، وما وجه ذلك، وأنه أخذه من أخذه منهم على غرة، أو استدراجه منهم من استدرج على كفره به، ومعصيته إياه، ثم إحلاله العقوبة به على غرة وغفلة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
20587 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن رجل، عن علي، قال: المكر غدر، والغدر كفر.