سأتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون * فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين) *.
يقول تعالى ذكره: وإنك يا محمد لتحفظ القرآن وتعلمه من لدن حكيم عليم يقول: من عند حكيم بتدبير خلقه، عليم بأنباء خلقه ومصالحهم، والكائن من أمورهم، والماضي من أخبارهم، والحادث منها. إذ قال موسى وإذ من صلة عليم. ومعنى الكلام: عليم حين قال موسى لأهله وهو في مسيره من مدين إلى مصر، وقد آذاهم برد ليلهم لما أصلد زنده: إني آنست نارا: أي أبصرت نارا أو أحسستها، فامكثوا مكانكم سأتيكم منها بخبر يعني من النار، والهاء والألف من ذكر النار أو آتيكم بشهاب قبس.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: بشهاب قبس بإضافة الشهاب إلى القبس، وترك التنوين، بمعنى: أو آتيكم بشعلة نار أقتبسها منها. وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة: بشهاب قبس بتنوين الشهاب وترك إضافته إلى القبس، يعني: أو آتيكم بشهاب مقتبس.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وكان بعض نحويي البصرة يقول: إذا جعل القبس بدلا من الشهاب، فالتنوين في الشهاب، وإن أضاف الشهاب إلى القبس، لم ينون الشهاب. وقال بعض نحويي الكوفة: إذا أضيف الشهاب إلى القبس فهو بمنزلة قوله ولدار الآخرة مما يضاف إلى نفسه إذا اختلف اسماه ولفظاه توهما بالثاني أنه غير الأول. قال: ومثله حبة الخضراء، وليلة القمراء، ويوم الخميس وما أشبهه. وقال آخر منهم: إن كان الشهاب هو القبس لم تجز الإضافة، لان القبس نعت، ولا يضاف الاسم إلى نعته إلا في قليل من الكلام، وقد جاء: ولدار الآخرة وللدار الآخرة.
والصواب من القول في ذلك أن الشهاب إذا أريد به أنه غير القبس، فالقراءة فيه بالإضافة، لان معنى الكلام حينئذ، ما بينا من أنه شعلة قبس، كما قال الشاعر: