كل كلام أو فعل باطل لا حقيقة له ولا أصل، أو ما يستقبح فسب الانسان الانسان بالباطل الذي لا حقيقة له من اللغو. وذكر النكاح بصريح اسمه مما يستقبح في بعض الأماكن، فهو من اللغو، وكذلك تعظيم المشركين آلهتهم من الباطل الذي لا حقيقة لما عظموه على نحو ما عظموه، وسماع الغناء مما هو مستقبح في أهل الدين، فكل ذلك يدخل في معنى اللغو، فلا وجه إذ كان كل ذلك يلزمه اسم اللغو، أن يقال: عني به بعض ذلك دون بعض، إذ لم يكن لخصوص ذلك دلالة من خبر أو عقل. فإذا كان ذلك إذ كذلك، فتأويل الكلام: وإذا مروا بالباطل فسمعوه أو رأوه، مروا كراما مرورهم كراما في بعض ذلك بأن لا يسمعوه، وذلك كالغناء. وفي بعض ذلك بأن يعرضوا عنه ويصفحوا، وذلك إذا أوذوا بإسماع القبيح من القول. وفي بعضه بأن ينهوا عن ذلك، وذلك بأن يروا من المنكر ما يغير بالقول فيغيروه بالقول. وفي بعضه بأن يضاربوا عليه بالسيوف، وذلك بأن يروا قوما يقطعون الطريق على قوم، فيستصرخهم المراد ذلك منهم، فيصرخونهم، وكل ذلك مرورهم كراما. وقد:
20156 - حدثني ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن مسلم، عن إبراهيم بن ميسرة، قال: مر ابن مسعود بلهو مسرعا فقال رسول الله (ص): إن أصبح ابن مسعود لكريما.
وقيل: إن هذه الآية مكية. ذكر من قال ذلك:
20157 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت السدي يقول: وإذا مروا باللغو مروا كراما قال: هي مكية، وإنما عنى السدي بقوله هذا إن شاء الله، أن الله نسخ ذلك بأمره المؤمنين بقتال المشركين بقوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وأمرهم إذا مروا باللغو الذي هو شرك، أن يقاتلوا أمراءه، وإذا مروا باللغو، الذي هو معصية لله أن يغيروه، ولم يكونوا أمروا بذلك بمكة، وهذا القول نظير تأويلنا الذي تأولناه في ذلك. القول في تأويل قوله تعالى:
* (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا) *.
يقول تعالى ذكره: والذين إذا ذكرهم مذكر بحجج الله، لم يكونوا صما لا يسمعون، وعميا لا يبصرونها. ولكنهم يقاظ القلوب، فهماء العقول، يفهمون عن الله ما يذكرهم به،