وفي قوله: هدى وبشرى وجهان من العربية: الرفع على الابتداء بمعنى: هو هدى وبشرى. والنصب على القطع من آيات القرآن، فيكون معناه: تلك آيات القرآن الهدى والبشرى للمؤمنين، ثم أسقطت الألف واللام من الهدى والبشرى، فصارا نكرة، وهما صفة للمعرفة فنصبا.
وقوله: الذين يقيمون الصلاة يقول: هو هدى وبشرى لمن آمن بها، وأقام الصلاة المفروضة بحدودها. وقوله: ويؤتون الزكاة يقول: ويؤدون الزكاة المفروضة. وقيل:
معناه: ويطهرون أجسادهم من دنس المعاصي. وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع وهم بالآخرة هم يوقنون يقول: وهم مع إقامتهم الصلاة، وإيتائهم الزكاة الواجبة، بالمعاد إلى الله بعد الممات يوقنون، فيذلون في طاعة الله، رجاء جزيل ثوابه، وخوف عظيم عقابه، وليسوا كالذين يكذبون بالبعث، ولا يبالون، أحسنوا أم أساءوا، وأطاعوا أم عصوا، لأنهم إن أحسنوا لم يرجوا ثوابا، وإن أساءوا لم يخافوا عقابا.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون * أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون) *.
يقول تعالى ذكره: إن الذين لا يصدقون بالدار الآخرة، وقيام الساعة، وبالمعاد إلى الله بعد الممات والثواب والعقاب زينا لهم أعمالهم يقول: حببنا إليهم قبيح أعمالهم، وسهلنا ذلك عليهم فهم يعمهون يقول: فهم في ضلال أعمالهم القبيحة التي زيناها لهم ترددون حيارى، يحسبون أنهم يحسنون.] وقوله: أولئك الذين لهم سوء العذاب يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة لهم سوء العذاب في الدنيا، وهم الذين قتلوا ببدر من مشركي قريش وهم في الآخرة هم الأخسرون يقول: وهم يوم القيامة هم الأوضعون تجارة والأوكسوها باشترائهم الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم * إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا