وكبراؤهم لها خاضعين، وقال: أحب إلي من هذين الوجهين في العربية أن يقال: إن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون، فجعلت الفعل أولا للأعناق، ثم جعلت خاضعين للرجال، كما قال الشاعر:
على قبضة مرجوة ظهر كفه * فلا المرء مستحي ولا هو طاعم فأنث فعل الظهر، لان الكف تجمع الظهر، وتكفي منه، كما أنك تكتفي بأن تقول:
خضعت لك، من أن تقول: خضعت لك رقبتي، وقال: ألا ترى أن العرب تقول: كل ذي عين ناظر وناظرة إليك، لان قولك: نظرت إليك عيني، ونظرت إليك بمعنى واحد بترك كل، وله الفعل وبرده إلى العين، فلو قلت: فظلت أعناقهم لها خاضعة، كان صوابا.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب وأشبهها بما قال أهل التأويل في ذلك أن تكون الأعناق هي أعناق الرجال، وأن يكون معنى الكلام: فظلت أعناقهم ذليلة، للآية التي ينزلها الله عليهم من السماء، وأن يكون قوله خاضعين مذكرا، لأنه خبر عن الهاء والميم في الأعناق، فيكون ذلك نظير قول جرير:
أرى مر السنين أخذن مني * كما أخذ السرار من الهلال وذلك أن قوله: مر، لو أسقط من الكلام، لادى ما بقي من الكلام عنه ولم يفسد سقوطه معنى الكلام عما كان به قبل سقوطه، وكذلك لو أسقطت الأعناق من قوله: فظلت أعناقهم، لادى ما بقي من الكلام عنها، وذلك أن الرجال إذا ذلوا، فقد ذلت رقابهم، وإذا ذلت رقابهم فقد ذلوا.
فإن قيل في الكلام: فظلوا لها خاضعين، كان الكلام غير فاسد، لسقوط الأعناق، ولا متغير معناه عما كان عليه قبل سقوطها، فصرف الخبر بالخضوع إلى أصحاب الأعناق، وإن كان قد ابتدأ بذكر الأعناق لما قد جرى به استعمال العرب في كلامهم، إذا كان الاسم المبتدأ به، وما أضيف إليه يؤدي الخبر كل واحد منهما عن الآخر. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين) *.