القول في تأويل قوله تعالى:
* (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما) *.
يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفت صفتهم من عبادي، وذلك من ابتداء قوله:
وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا... إلى قوله: والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا... الآية يجزون يقول: يثابون على أفعالهم هذه التي فعلوها في الدنيا الغرفة وهي منزلة من منازل الجنة رفيعة بما صبروا يقول: بصبرهم على هذه الأفعال، ومقاساة شدتها. وقوله: ويلقون فيها تحية وسلاما اختلفت القراء في قراءته، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة: ويلقون مضمومة الياء، مشددة القاف، بمعنى:
وتتلقاهم الملائكة فيها بالتحية. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: ويلقون بفتح الياء، وتخفيف القاف.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار، بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أن أعجب القراءتين إلي أن أقرأ بها ويلقون فيها بفتح الياء، وتخفيف القاف، لان العرب إذا قالت ذلك بالتشديد، قالت:
فلان يتلقى بالسلام وبالخير، ونحن نتلقاهم بالسلام، قرنته بالياء، وقلما تقول: فلان يلقى السلام، فكان وجه الكلام، لو كان بالتشديد، أن يقال: ويتلقون فيها بالتحية والسلام.
وإنما اخترنا القراءة بذلك، كما تجيز: أخذت بالخطام، وأخذت الخطام. وقد بينا معنى التحية والسلام فيما مضى قبل، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: