حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا حسن بن عيسى بن زيد، عن أبيه، في هذه الآية: ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم قال: التخلي في الخراب.
وقال آخرون: بل عني بذلك بيوت التجار التي فيها أمتعة الناس. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم قال: بيوت التجار، ليس عليكم جناح أن تدخلوها بغير إذن، الحوانيت التي بالقيساريات والأسواق. وقرأ: فيها متاع لكم متاع للناس، ولبني آدم.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله عم بقوله: ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم كل بيت لا ساكن به لنا فيه متاع ندخله بغير إذن لان الاذن إنما يكون ليؤنس المأذون عليه قبل الدخول، أو ليأذن للداخل إن كان له مالكا أو كان فيه ساكنا. فأما إن كان لا مالك له، فيحتاج إلى إذنه لدخوله ولا ساكن فيه، فيحتاج الداخل إلى إيناسه والتسليم عليه، لئلا يهجم على ما لا يحب رؤيته منه، فلا معنى للاستئذان فيه. فإذا كان ذلك، فلا وجه لتخصيص بعض ذلك دون بعض، فكل بيت لا مالك له ولا ساكن من بين مبني ببعض الطرق للمارة والسابلة ليأووا إليه، أو بيت خراب قد باد أهله ولا ساكن فيه، حيث كان ذلك، فإن لمن أراد دخوله أن يدخل بغير استئذان، لمتاع له يؤويه إليه أو للاستمتاع به لقضاء حقه من بول أو غائط أو غير ذلك. وأما بيوت التجار، فإنه ليس لأحد دخولها إلا بإذن أربابها وسكانها.
فإن ظن ظان أن التاجر إذا فتح دكانه وقعد للناس فقد أذن لمن أراد الدخول عليه في دخوله، فإن الامر في ذلك بخلاف ما ظن ذلك أنه ليس لأحد دخول ملك غيره بغير ضرورة ألجأته إليه أو بغير سبب أباح له دخوله إلا بإذن ربه، لا سيما إذا كان فيه متاع فإن كان التاجر قد عرف منه أن فتحه حانوته إذن منه لمن أراد دخوله في الدخول، فذلك بعد رجع إلى ما قلنا من أنه لم يدخله من دخله إلا بإذنه. وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن من معنى قوله: ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم في شئ، وذلك أن التي وضع الله عنا الجناح في دخولها بغير إذن من البيوت، هي ما لم يكن مسكونا، إذ حانوت التاجر لا سبيل إلى دخوله إلا بإذنه وهو مع ذلك مسكون، فتبين أنه مما عنى الله من هذه الآية بمعزل.