وإنما قلت هذا القول أولى بالصواب في ذلك لأنه لم يجر في هذه الآية ذكر لغير موسى، فلان تكون الهاء في قوله من قومه من ذكر موسى لقربها من ذكره، أولى من أن تكون من ذكر فرعون لبعد ذكره منها، إذ لم يكن بخلاف ذلك دليل من خبر ولا نظر.
وبعد، فإن في قوله: على خوف من فرعون وملئهم الدليل الواضح على أن الهاء في قوله: إلا ذرية من قومه من ذكر موسى لا من ذكر فرعون لأنها لو كانت من ذكر فرعون لكان الكلام: على خوف منه، ولم يكن على خوف من فرعون.
وأما قوله: على خوف من فرعون فإنه يعني على حال خوف ممن آمن من ذرية قوم موسى بموسى.
فتأويل الكلام: فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه من بني إسرائيل وهم خائفون من فرعون وملئهم أن يفتنوهم. وقد زعم بعض أهل العربية أنه إنما قيل: فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه، لان الذين آمنوا به إنما كانت أمهاتهم من بني إسرائيل وآباؤهم من القبط، فقيل لهم الذرية من أجل ذلك، كما قيل لأبناء الفرس الذين أمهاتهم من العرب وآباؤهم من العجم: أبناء. والمعروف من معنى الذرية في كلام العرب: أنها أعقاب من نسبت إليه من قبل الرجال والنساء، كما قال جل ثناؤه: ذرية من حملنا مع نوح وكما قال: ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف ثم قال بعد: وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس فجعل من كان من قبل الرجال والنساء من ذرية إبراهيم.
وأما قوله: وملئهم فإن الملا: الاشراف. وتأويل الكلام: على خوف من فرعون ومن أشرافهم.
واختلف أهل العربية فيمن عني بالهاء والميم اللتين في قوله: وملئهم فقال بعض نحويي البصرة: عني بها الذرية. وكأنه وجه الكلام إلى: فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه، على خوف من فرعون، وملا الذرية من بني إسرائيل. وقال بعض نحويي الكوفة:
عني بهما فرعون، قال: وإنما جاز ذلك وفرعون واحد لان الملك إذا ذكر لخوف أو سفر أو قدوم من سفر ذهب الوهم إليه وإلى من معه. وقال: ألا ترى أنك تقول: قدم الخليفة فكثر الناس، تريد بمن معه، وقدم فغلت الأسعار؟ لأنا ننوي بقدومه قدوم من معه. قال: وقد