الخطاب إلى جماعة المسلمين مع النبي (ص) مع جماعة الناس غيره لأنه ابتدأ خطابه ثم صرف الخطاب إلى جماعة الناس، والنبي (ص) فيهم، وخبر عن أنه لا يعمل أحد من عباده عملا إلا وهو له شاهد يحصى عليه ويعلمه، كما قال: وما يعزب عن ربك يا محمد عمل خلقه، ولا يذهب عليه علم شئ حيث كان من أرض أو سماء. وأصله من عزوب الرجل عن أهله في ماشيته، وذلك غيبته عنهم فيها، يقال منه: عزب الرجل عن أهله يعزب ويعزب لغتان فصيحتان، قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القراء. وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، لاتفاق معنييهما واستفاضتهما في منطق العرب غير أني أميل إلى الضم فيه لأنه أغلب على المشهورين من القراء.
وقوله: من مثقال ذرة يعني: من زنة نملة صغيرة، يحكى عن العرب: خذ هذا فإنه أخف مثقالا من ذاك أي أخف وزنا. والذرة واحدة الذر، والذر: صغار النمل. وذلك خبر عن أنه لا يخفى عليه جل جلاله أصغر الأشياء، وإن خف في الوزن كل الخفة، ومقادير ذلك ومبلغه، ولا أكبرها وإن عظم وثقل وزنه، وكم مبلغ ذلك. يقول تعالى ذكره لخلقه:
فليكن عملكم أيها الناس فيما يرضى ربكم عنكم، فإنا شهود لاعمالكم، لا يخفى علينا شئ منها، ونحن محصوها ومجازوكم بها.
واختلفت القراء في قراءة قوله: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر فقرأ ذلك عامة القراء بفتح الراء من أصغر وأكبر على أن معناها الخفض، عطفا بالأصغر على الذرة وبالأكبر على الأصغر، ثم فتحت راؤهما لأنهما لا يجريان. وقرأ ذلك بعض الكوفيين: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر رفعا، عطفا بذلك على معنى المثقال لان معناه الرفع. وذلك أن من لو ألقيت من الكلام لرفع المثقال، وكان الكلام حينئذ: وما يعزب عن ربك مثقال ذرة ولا أصغر من مثقال ذرة ولا أكبر، وذلك نحو قوله: من خالق غير الله وغير الله.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ بالفتح على وجه الخفض والرد على الذرة لان ذلك قراءة قراء الأمصار وعليه عوام القراء، وهو أصح في العربية مخرجا وإن كان للأخرى وجه معروف.
وقوله: إلا في كتاب يقول: وما ذاك كله إلا في كتاب عند الله مبين عن حقيقة خبر