أن هذا الكتاب السماوي الكبير مستلهم من علم الله القادر والحكيم، الذي لا يقف أمام قدرته المطلقة شئ، ولا يخفى على علمه المطلق أمر، لأيقنا بلا عناء أن محتوياته حق وكلها حكمة ونور وهداية.
مثل هذه العبارات عندما ترد في بدايات سور القرآن، ترشد المؤمنين إلى هذه الحقيقة، وهي أن كل ما هو موجود في القرآن المجيد هو كلام الله وليس بكلام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورغم كون كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم) بليغا وحكيما أيضا.
ثم تنتقل السورة إلى عرض محتويات هذا الكتاب السماوي وأهدافه إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق.
لا يوجد فيه غير الحق، ولهذا السبب يتبعه طلاب الحق، والباحثون عن الحقيقة مشغولون بالبحث في محتوياته. من هنا، ولكون هدف نزول القرآن يتحدد في إعطاء الدين الخالص للبشرية، فإن آخر الآية يقول: فاعبد الله مخلصا له الدين.
قد يكون المراد هنا من كلمة (دين) هو عبادة الله، لأن الجملة التي وردت قبلها فان عبد الله فيها أمر بالعبادة، ولذا فإن العبارة التي تليها مخلصا له الدين تبين شروط صحة العبادة والتي تتمثل في الإخلاص وفي الشرك والرياء.
على كل حال فإن اتساع مفهوم (الدين) وعدم ذكر قيد أو شرط له، يعطي معنى واسعا، بحيث يشمل العبادات وبقية الأعمال إضافة إلى العقائد، وبعبارة أخرى فإن (الدين) يتناول مجموعة شؤون الحياة المادية والمعنوية للإنسان، ويجب على عباد الله المخلصين أن يخلصوا كل حياتهم لله وأن يطهروا قلوبهم وأرواحهم وساحة عملهم ودائرة حديثهم عن كل ما هو لغير الله، وأن يفكروا به ويعشقوه، وأن يتحدثوا عنه ويعملوا من أجله، وأن يسيروا دائما في سبيل رضاه، وهذا هو (إخلاص الدين).