وتعتبر هذه الآية ردا واضحا على الذين يقولون بأن الدين أوجد الاختلاف بين البشر، وأدى إلى إراقة دماء كثيرة على مدى التاريخ، فلو دققوا في الأمر لوجدوا أن الدين دائما هو أساس للوحدة والاتحاد في المجتمع (كما حصل للإسلام وقبائل الحجاز وحتى الأقوام في خارج الجزيرة حيث انتهت الاختلافات وأصبحوا أمة واحدة).
إلا أن السياسات الاستعمارية هي التي أوجدت الفرقة بين الناس، وحرضت على الاختلافات، وكانت أساسا لإراقة الدماء، ففرض سياساتها وأهوائها على الأديان السماوية كان عاملا كبيرا آخر في إيجاد الفرقة، وهذا بحد ذاته ينبع من (البغي) أيضا.
" البغي " كما يكشف أساسه اللغوي، يعني (طلب التجاوز والانحراف عن خط الوسط والميل نحو الإفراط أو التفريط) سواء تم تطبيق هذا الطلب أم لا، وتختلف كميته وكيفيته، ولهذا السبب فغالبا ما يستخدم بمعنى الظلم.
وأحيانا يقال لأي طلب بالرغم من كونه أمرا جيدا ومرغوبا.
لذا فإن الراغب في مفرداته يقسم (البغي) إلى نوعين: (ممدوح) و (مذموم) فالأول يتجاوز حد العدالة ويصل إلى الإحسان والإيثار، وتجاوز الواجبات والوصول إلى المستحبات، والثاني يتجاوز الحق نحو الباطل.
ثم يضيف القرآن الكريم: ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم حيث يهلك أتباع الباطل وينصر أتباع الحق.
نعم، فالدنيا هي محل الاختبار والتربية والتكامل، ولا يحصل هذا بدون حرية العمل، وهذا هو الأمر التكويني الإلهي الذي كان موجودا منذ بدء خلق الإنسان ولا يقبل التغيير. إن هذه هي طبيعة الحياة الدنيوية، ولكن ما يمتاز به عالم الآخرة هو أن جميع هذه الاختلافات ستنتهي وسوف تصل الإنسانية إلى الوحدة الكاملة، ولهذا السبب يتم استخدام عبارة (يوم الفصل) للقيامة.