روى السدي عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: لما كان يوم فتح مكة، أمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس إلا أربعة نفر قال: اقتلوهم، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن أخطل، وقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح. فأما عكرمة فركب البحر، فأصابتهم ريح عاصفة، فقال أهل السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ههنا. فقال عكرمة: لئن لم ينجي في البحر إلا الإخلاص، ما ينجيني في البر غيره. اللهم إن لك علي عهدا، إن أنت عافيتني مما أنا فيه، أن آتي محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أضع يدي في يده، فلأجدنه عفوا كريما، فجاء فأسلم. وقيل: (فمنهم مقتصد) معناه: على طريقة مستقيمة، وصلاح من الأمر، عن ابن زيد. وقيل: ثابت على إيمانه، عن الحسن. وقيل:
موف بعهده في البر، عن ابن عباس. وقيل: مقتصد في قوله، مضمر لكفره، عن مجاهد.
ثم ذكر الذين تركوا التوحيد في البر فقال: (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار) بعهده أي: غادر أسوأ الغدر وأقبحه. (كفور) لله في نعمه. ثم خاطب سبحانه جميع المكلفين فقال: (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده) يعني يوم القيامة لا يغني فيه أحد عن أحد، لا والد عن ولده (ولا مولود هو جاز عن والده شيئا) كل امرئ تهمه نفسه (إن وعد الله) بالبعث والجزاء، والثواب والعقاب (حق) لا خلف فيه (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) أي: لا يغرنكم الإمهال عن الانتقام، والآمال والأموال عن الاسلام، ومعناه: لا تغتروا بطول السلامة، وكثرة النعمة، فإنهما عن قريب إلى زوال وانتقال.
(ولا يغرنكم بالله الغرور) وهو الشيطان، عن مجاهد وقتادة والضحاك.
وقيل: هو تمنيك المغفرة في عمل المعصية، عن سعيد بن جبير. وقيل: كل شئ غرك حتى تعصي الله، وتترك ما أمرك الله به، فهو غرور، شيطانا كان أو غيره، عن أبي عبيدة. وفي الحديث: (الكيس من دان نفسه، وعمل لها بعد الموت، والفاجر من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله). وفي الشواذ قراءة سماك بن حرب (الغرور) بضم الغين. وعلى هذا فيكون المعنى: ولا يغرنكم غرور الدنيا بخدعها الباطلة، أو غرور النفس بشهواتها الموبقة (إن الله عنده علم الساعة) أي: استأثر سبحانه به، ولم يطلع عليه أحد من خلقه، فلا يعلم وقت قيام الساعة سواه.