لشئ، ولكنهم في عدول ظاهر عن الحق.
ولما ذكر سبحانه الأدلة الدالة على توحيده وقدرته وحكمته، بين عقيب ذلك قصة لقمان، وأنه أعطاه الحكمة فقال: (ولقد آتينا لقمان الحكمة) أي أعطيناه العقل والعلم والعمل به، والإصابة في الأمور. واختلف فيه فقيل: إنه كان حكيما، ولم يكن نبيا، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وأكثر المفسرين. وقيل: إنه كان نبيا، عن عكرمة والسدي والشعبي، وفسروا الحكمة هنا بالنبوة. وقيل: إنه كان عبدا أسود حبشيا، غليظ المشافر، مشقوق الرجلين في زمن داود عليه السلام وقال له بعض الناس: ألست كنت ترعى معنا؟ فقال: نعم. قال: فمن أين أوتيت ما أرى؟ قال:
قدر الله، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، والصمت عما لا يعنيني. وقيل: إنه كان ابن أخت أيوب، عن وهب. وقيل: كان ابن خالة أيوب، عن مقاتل. وروي عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (حقا أقول: لم يكن لقمان نبيا، ولكن كان عبدا كثير التفكر، حسن اليقين، أحب الله فأحبه، ومن عليه بالحكمة، كان نائما نصف النهار، إذ جاءه نداء: يا لقمان! هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض، تحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب الصوت: إن خيرني ربي قبلت العافية، ولم أقبل البلاء، وإن عزم علي فسمعا وطاعة، فإني أعلم أنه إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني. فقالت الملائكة بصوت لا يراهم. لم يا لقمان؟ قال: لأن الحكم أشد المنازل وآكدها، يغشاه الظلم من كل مكان، إن وقي فبالحري أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة. ومن يكن في الدنيا ذليلا، وفي الآخرة شريفا، خير من أن يكون في الدنيا شريفا، وفي الآخرة ذليلا. ومن يختر الدنيا على الآخرة، تفته الدنيا، ولا يصيب الآخرة. فتعجبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومة فأعطي الحكمة، فانتبه يتكلم بها. ثم كان يؤازر داود بحكمته، فقال له داود:
طوبى لك يا لقمان أعطيت الحكمة وصرفت عنك البلوى).
(أن اشكر لله) معناه. وقلنا له اشكر لله تعالى على ما أعطاك من الحكمة (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه) أي: من يشكر نعمة الله، ونعمة من أنعم عليه، فإنه إنما يشكر لنفسه، لأن ثواب شكره عائد عليه، ويستحق مزيد النعمة، والزيادة الحاصلة بالشكر تكون له (ومن كفر فإن الله غني) عن شكر الشاكرين (حميد)