ثم حكى سبحانه دعاء سليمان حين أناب إلى الله تعالى بقوله: (قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب) يسأل عن هذا فيقال:
إن هذا القول من سليمان يقتضي الضن والمنافسة، لأنه لم يرض بأن يسأل الملك حتى أضاف إلى ذلك أن يمنع غيره منه. وأجيب عنه بأجوبة أحدها: إن الأنبياء لا يسألون إلا ما يؤذن لهم في مسألته، وجائز أن يكون الله تعالى أعلم سليمان أنه إن سأل ملكا لا يكون لغيره، كان أصلح له في الدين، وأعلمه أنه لا صلح لغيره في ذلك. ولو أن أحدنا صرح في دعائه بهذا الشرط حتى يقول: اللهم اجعلني أكثر أهل زماني مالا إذا علمت أن ذلك أصلح لي، لكان ذلك منه حسنا جائزا، ولا ينسب في ذلك إلى شح وضن، واختاره الجبائي.
وثانيها: إنه يجوز أن يكون التمس من الله تعالى آية لنبوته، يبين بها من غيره، وأراد لا ينبغي لاحد غيري ممن أنا مبعوث إليه، ولم يرد من بعده إلى يوم القيامة من النبيين، كما يقال: أنا لا أطيع أحدا بعدك أي: لا أطيع أحدا سواك.
وثالثها: ما قاله المرتضى، قدس الله روحه: إنه يجوز أن يكون إنما سأل ملك الآخرة، وثواب الجنة، ويكون معنى قوله (لا ينبغي لاحد من بعدي): لا يستحقه بعد وصولي إليه أحد من حيث لا يصلح أن يعمل ما يستحق به ذلك، لانقطاع التكليف.
ورابعها: إنه التمس معجزة تختص به، كما أن موسى يختص بالعصا واليد البيضاء، واختص صالح بالناقة، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم بالمعراج والقرآن، ويدل عليه ما روي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى صلاة فقال: " إن الشيطان عرض لي ليفسد علي الصلاة، فأمكنني الله منه، فدفعته، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا وتنظروا إليه أجمعين، فذكرت قول سليمان (رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي) فرده الله خاسئا ". أورده البخاري ومسلم في الصحيحين.
ثم بين سبحانه أنه أجاب دعاه بقوله: (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء) أي: لينه سهلة، عن ابن زيد. وقيل: طيبة سريعة، عن قتادة. وقيل: مطيعة تجري إلى حيث يشاء، عن ابن عباس. (حيث أصاب) أي: حيث أراد سليمان من النواحي، عن أكثر المفسرين، وحقيقته حيث قصد والمعنى أنه ينطاع له كيف أراد. قال الحسن: كان يغدو من إيليا، ويقيل بقزوين ويبيت بكابل.