كل ذي حق حقه والآخر: إنه وعد المظلوم بالانتصاف من الظالم (وهو العزيز) القادر على ما يشاء، لا يمتنع عليه شئ (العليم) بالمحق والمبطل، فيجازي كلا بحسب عمله. وفي هذه الآية تسلية للمحقين من الذين خولفوا في أمور الدين، وأن أمرهم يؤول إلى أن يحكم بينهم رب العالمين.
ثم خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقال (فتوكل على الله) يا محمد (إنك على الحق المبين) أي: الواضح البين الظاهر. والمحق أولى بالتوكل من المبطل المدغل. والمراد بهذا الخطاب: سائر المؤمنين، وإن كان في الظاهر لسيد المرسلين. ثم شبه الكفار بالموتى فقال: (إنك لا تسمع الموتى) يقول: كما لا تسمع الميت الذي ليس له آلة السمع النداء، كذلك لا تسمع الكافر النداء، لأنه لا يسمع، ولا يقبل بالموعظة، ولا يتدبر فيها. (ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) إنما قال ذلك، لأن الأصم إذا كان قريبا، فالإنسان يطمع في إسماعه. فإذا أعرض وأدبر وتباعد، انقطع الطمع في إسماعه. فجعل سبحانه المصمم على الجهل كالميت في أنه لا يقبل الهدى، وكالأصم في أنه لا يسمع الدعاء.
(وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم) في الدين بالآيات الدالة على الهدى إذا أعرضوا عنها، كما لا يمكنك أن تهدي الأعمى إلى قصد الطريق. جعل سبحانه الجهل بمنزلة العمى، لأنه يمنع عن إدراك الحق، كما يمنع العمى من إدراك المبصرات. (إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا) أي: ما يسمع إلا من يطلب الحق بالنظر في آياتنا (فهم مسلمون) أي: مستسلمون منقادون. جعل سبحانه استماعهم، وقبولهم الحق سماعا، وتركهم للقبول تركا للسماع. وقيل: مسلمون أي: موحدون مخلصون.
(وإذا وقع القول عليهم) أي: وجب العذاب والوعيد عليهم. وقيل: معناه إذا صاروا بحيث لا يفلح أحد منهم، ولا أحد بسببهم، عن مجاهد. وقيل: معناه إذا غضب الله عليهم عن قتادة. وقيل: معناه إذا أنزل العذاب بهم عند اقتراب الساعة فسمي المقول قولا، كما يقال: جاء الخبر الذي قلت. ويراد به المخبر. قال أبو سعيد الخدري، وابن عمر: إذا لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر، وجب السخط عليهم، وأخذوا بمبادئ العقاب منها قوله: