قال: قال رجل لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان! آية في كتاب الله أفسدت قلبي؟ قال عمار: وأية آية هي؟ فقال: هذه الآية، فأية دابة الأرض هذه قال عمار: والله ما أجلس، ولا آكل، ولا أشرب، حتى أريكها. فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وهو يأكل تمرا وزبدا، فقال: يا أبا اليقظان! هلم. فجلس عمار يأكل معه، فتعجب الرجل منه. فلما قام عمار، قال الرجل: سبحان الله حلفت أنك لا تأكل، ولا تشرب، حتى ترينيها! قال عمار: أريتكها إن كنت تعقل.
وروى العياشي هذه القصة بعينها عن أبي ذر، رحمه الله، أيضا. وقوله:
(تكلمهم) أي: تكلمهم بما يسوؤهم، وهو أنهم يصيرون إلى النار بلسان يفهمونه.
وقيل: تحدثهم بأن هذا مؤمن، وهذا كافر. وقيل: تكلمهم بأن تقول لهم: (أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) وهو الظاهر. وقيل: بآياتنا معناه بكلامها وخروجها.
(ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) أي: يدفعون، عن ابن عباس. وقيل: يحبس أولهم على آخرهم. واستدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإمامية بأن قال: إن دخول (من) في الكلام، يوجب التبعيض، فدل ذلك على أن اليوم المشار إليه في الآية، يحشر فيه قوم دون قوم، وليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول فيه سبحانه: (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا).
وقد تظاهرت الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أن الله تعالى سيعيد عند قيام المهدي، قوما ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ويبتهجوا بظهور دولته، ويعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم، وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب في القتل، على أيدي شيعته، والذل والخزي بما يشاهدون من علو كلمته. ولا يشك عاقل أن هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه، وقد فعل الله ذلك في الأمم الخالية، ونطق القرآن بذلك في عدة مواضع مثل قصة عزير وغيره، على ما فسرناه في موضعه. وصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله:
" سيكون في أمتي كل ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة (1) .