بيوت مصر، فأحرقت القبط، وتركت بني إسرائيل. فسأل علماء قومه، فقالوا له:
يخرج من هذا البلد رجل يكون هلاك مصر على يده. (إنه كان من المفسدين) بالقتل، والعمل بالمعاصي. (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) المعنى: إن فرعون كان يريد إهلاك بني إسرائيل، وافناءهم. ونحن نريد أن نمن عليهم. (ونجعلهم أئمة) أي: قادة ورؤساء في الخير يقتدى بهم، عن ابن عباس. وقيل: نجعلهم ولاة وملوكا، عن قتادة. وهذا القول مثل الأول، لأن الذين جعلهم الله ملوكا، فهم أئمة، ولا يضاف إلى الله سبحانه ملك من يملك الناس عدوانا وظلما. وقد قال سبحانه: (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) والملك من الله تعالى هو الذي يجب أن يطاع. فالأئمة على هذا ملوك مقدمون في الدين والدنيا، يطأ الناس أعقابهم.
(ونجعلهم الوارثين) لديار فرعون وقومه، وأموالهم. وقد صحت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها، عطف الضروس على ولدها (1). وتلا عقيب ذلك: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) الآية وروى العياشي بالإسناد عن أبي الصباح الكناني، قال: نظر أبو جعفر عليه السلام إلى عبد الله عليه السلام، فقال: هذا والله من الذين قال الله تعالى (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) الآية. وقال سيد العابدين، علي بن الحسين عليه السلام: والذي بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا، إن الأبرار منا أهل البيت، وشيعتهم، بمنزلة موسى وشيعته، وإن عدونا وأشياعهم، بمنزلة فرعون وأشياعه.
(ونمكن لهم في الأرض) أي: ونريد أن نمكن لبني إسرائيل في أرض مصر.
والتمكين: هو فعل جميع ما لا يصح الفعل إلا معه، مع القدرة، والآلة، واللطف، وغير ذلك. وقال علي بن عيسى: اللطف لا يدخل في التمكين، لأنه لو دخل فيه، لكان من لا لطف له لم يكن ممكنا، ولكنه من باب إزاحة العلة. (ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم) أي: من بني إسرائيل (ما كانوا يحذرون) من ذهاب الملك على يد رجل منهم. قال الضحاك: عاش فرعون أربعمائة سنة، وكان قصيرا .