القرآن، فهو كقوله (إنه لحق اليقين). والقرآن والكتاب معناهما واحد، وصفه بالصفتين ليفيد أنه مما يظهر بالقراءة، ويظهر بالكتابة، وهو بمنزلة الناطق بما فيه من الأمرين جميعا، ووصفه بأنه (مبين) تشبيه له بالناطق بكذا، ومعناه: إن الله بين فيه أمره ونهيه، وحلاله وحرامه، ووعده ووعيده. وإذا وصفه بأنه بيان، فإنه يجري مجرى وصفه له بالنطق بهذه الأشياء في ظهور المعني به للنفس. والبيان هو الدلالة التي تبين بها الأشياء. والمبين: المظهر.
(هدى وبشرى للمؤمنين) أي: هدى من الضلالة إلى الحق بالبيان الذي فيه، والبرهان، وباللطف فيه من جهة الإعجاز الدال على صحة أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبشرى للمؤمنين بالجنة والثواب. ويجوز أن يكون في موضع نصب على أن يكون تقديره: هاديا ومبشرا. ويجوز أن يكون في موضع رفع، والتقدير: هو هدى وبشرى. ثم وصف المؤمنين فقال: (الذين يقيمون الصلاة) بحدودها وواجباتها، ويداومون على أوقاتها. (ويؤتون الزكاة) أي: ويخرجون ما يجب عليهم من الزكاة في أموالهم إلى من يستحقها (وهم بالآخرة) أي بالنشأة الآخرة والبعث والجزاء (هم يوقنون) لا يشكون فيه.
ثم وصف من خالفهم، فقال: (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون) اختلف في معناه فقيل: إن المعنى زينا لهم أعمالهم التي أمرناهم بها بأحسن وجوه التزيين والترغيب، فهم يتحيرون بالذهاب عنها، عن الحسن، والجبائي، وأبي مسلم. وقيل: زينا لهم أعمالهم بأن خلقنا فيهم شهوة القبيح الداعية لهم إلى فعل المعاصي، ليجتنبوا المشتهى، فهم يعمهون عن هذا المعنى، ويترددون في الحيرة. وقيل: معناه حرمناهم التوفيق عقوبة لهم على كفرهم، فتزينت أعمالهم في أعينهم، وحليت في صدورهم. (أولئك الذين لهم سوء العذاب) أي: شدة العذاب وصعوبته (وهم في الآخرة هم الأخسرون) أي: لا أحد أخسر صفقة منهم، لأنهم يخسرون الثواب، ويحصل لهم بدلا منه العقاب.
(وإنك) يا محمد (لتلقى القرآن) أي: لتعطى (من لدن حكيم) في أمره (عليم) بخلقه أي: من عند الله، لأن الملك يلقيه من قبل الله سبحانه. وقيل:
معناه لتلقن. قال علي بن عيسى: عليم بمعنى عالم، إلا أن في عليم مبالغة، فهو مثل سامع وسميع، لأن في قولنا عالم يفيد أن له معلوما، كما أن قولنا سامع يفيد أن