الأنبياء فيبطل الاستدلال بها. وقال جماعة من المفسرين منهم: أبو علي وغيره أنزلهما الله من السماء وجعلهما بهيئة الانس، حتى بينا للناس بطلان السحر. وقال الحسن وقتادة: اخذ عليهما ألا يعلماه " حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر ".
وقوله: " وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر " على قول من جعل ما جحدا.
وقوله: " وما انزل على الملكين " يحتمل أن يكون ذلك من قول هاروت وماروت وليسا ملكين. كما يقول الغاوي الخليع لنا انك في ضلال فلا ترد ما انا فيه، فيقر بالذنب وهو يأتيه. والتقدير على هذا: " ولكن الشياطين كفروا " هاروت وماروت. فمن قرأ الملكين بفتح اللام - وهو قراءة الجمهور، اختلفوا فمنهم من قال: ان سحرة اليهود زعموا ان الله انزل السحر على لسان جبريل، وميكايل إلى سليمان، فأكذبهم الله بذلك وفي الكلام تقديم وتأخير، فتقديره وما كفر سليمان وما انزل على الملكين، ولكن الشياطين كفروا. يعلمان الناس السحر. ببابل هاروت وماروت - وهما رجلان ببابل غير الملكين اسم أحدهما - هاروت والآخر ماروت، ويكون هاروت وماروت بيانا عن الناس. وقال قوم: ان هاروت وماروت ملكان من الملائكة. واختلفوا في سبب هبوطهما - على قولين.
فقال قوم: ان الله أهبطهما ليأمرا بالدين، وينهيا عن السحر، لان السحر كان كثيرا في ذلك الوقت، ثم اختلفوا فقال قوم: كانا يعلمان الناس كيفية السحر وينهيانهم عن فعله، ليكون النهي بعد العلم به، لان من لا يعرف الشئ فلا يمكنه اجتنابه. وقال قوم آخرون: لم يكن للملكين تعليم السحر، ولا اظهاره، لما في تعليمه من الاغراء بفعله. والثالث هبطا لمجرد النهي - إذ كان السحر فاشيا -.
وقال قوم: كان سبب هبوطهما ان الملائكة تعجبت من معاصي بني آدم مع كثرة نعم الله عليهم، فقال لهم: اما لو كنتم مكانهم لعملتم مثل اعمالهم، فقالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا، فامرهم ان يختاروا ملكين ليهبطا إلى الأرض فاختاروا هاروت و ماروت، فاهبطا إلى الأرض، وركب فيهما شهوة الطعام والشراب والنكاح،