اي ما كنتم مؤمنين - نفيا - والأول أجود. ومعنى ايمانهم: تصديقهم الذي زعموا انهم مصدقون، من كتاب الله إذا قيل لهم آمنوا بما انزل الله قالوا: نؤمن بما أنزل علينا.
وقوله: " ان كنتم مؤمنين " أي ان كنتم مصدقين كما زعمتم، فأخبر ان تصديقهم بالتوراة، انه كان يأمرهم بذلك، فبئس الامر يأمرهم به. وإنما ذلك نفي عن التوراة أن يكون يأمر بشئ بما يكرهه الله من افعالهم، واعلاما منه ان الذي تأمرهم به أهواؤهم، وتحمل عليه عداوتهم. وهذا كما يقول الرجل: بئس الرجل انا إن رضيت بفعلك، أو ساعدتك عليه.
والمعنى وأشربوا في قلوبهم حب العجل بكفرهم، اي لألفهم الكفر وثبوتهم فيه، والكفر يدعو بعضه إلى بعض، ويحسن بعضه بعضا. وليس المعنى في قوله: " واشربوا " ان غيرهم فعل ذلك بهم، بل هم الفاعلون له، كما يقول القائل:
أنسيت ذلك من النسيان (3) ليس يريد إلا انك فعلت. وقولهم: لقد أوتى فلان علما جما - وإن كان هو المكتسب له، وإن الجنس الذين قالوا: سمعنا وعصينا غير الذين رفع عليهم الطور بأعيانهم، لكنهم كانوا على منهاجهم، وسبيلهم. فأما أولئك بأعيانهم، فإنهم آمنوا: إما طوعا، واما كرها. والمعنى في (الباء) المتصلة بالكفر:
أنهم كفروا بالله بما اشربوا من محبة العجل. وليس المعنى انهم في ذلك اشربوا حب العجل جزاء على كفرهم، لان محبة العجل كفر قبيح. والله لا يفعل الكفر في العبد، لا ابتداء، ولا مجازاة.