فظنوا أنهم مواقعوها " (1)، يعني: علموا وقد جاء في القرآن الظن بمعنى الشك كقوله: " ان هم إلا يظنون " (2) وقوله: " ان الظن لا يغني من الحق شيئا " (3) وقال قوم: يحتمل قوله " يظنون " وجها آخرا، وهو انهم يظنون أنهم ملاقوا ربهم بذنوبهم لشدة اشفاقهم من الإقامة على معصية الله، وهذا وجه مليح، وقد استعبده الرماني وقال: لان فيه حذوفا كثيرة، وليس بمنكر إذا كان الكلام محتملا له وقيل أيضا: الذين يظنون انقضاء اجلهم وسرعة موتهم فيكونون ابدا على حذر ووجل، كما يقال لمن مات: لقي الله والظن والشك والتجويز نظائر، إلا أن الظن فيه قوة على أحد الامرين دون الآخر، وحده ما قوي عند الظان كون المظنون على ما ظنه مع تجويزه أن يكون خلافه فبالتجويز ينفصل من العلم، وبالقوة ينفصل من الشك والتقليد وغير ذلك وضد الظن اليقين ويقال ظن ظنا وتظنن تظننا وقال: " وظنوا انهم الينا لا يرجعون " (4) وقوله: " ظننتم ظن السوء " (5) والظنين المتهم، ومصدره الظنة والظنون الرجل السئ الظن بكل أحد، والظنون القليل الخير، والتظني والتظنن بمعنى واحد والظنون البئر التي يظن أن بها ماء ولا يكون فيها شئ، ومظنة الرجل ومظانه حيث يألفه فيكون فيه ومعنى قوله " انهم ملاقوا ربهم " اي ملاقوا جزاء ربهم، فجعل ملاقاة الجزاء ملاقاة له تفخيما وتعظيما لشأن الجزاء وأصل الملاقاة الملاصقة، من قولك التقى الحدان اي تلاصقا، ثم كثر حتى قالوا التقى الفارسان إذا تحاذيا ولم يتلاصقا ومثل ما قلنا في قوله " ملاقوا ربهم " قوله تعالى: " فأعقبهم نفاقا نفي قلوبهم إلى يوم يلقونه " (6) معناه يوم يلقون جزاءه، لان المنافقين لا يرون الله عند أحد من أهل الصلاة، وكذلك قوله " ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق
(٢٠٦)