عليه غير ذلك من دم ولا غيره وإن لم يذكرها حتى مضت أيام الرمي فذكرها ولم يرمها كان عليه في تركها دم واحتج محمد بن الحسن في ذلك على أبي حنيفة رحمه الله بما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرني محمد بن أبي بكر عن أبيه عن أبي البداح عن عاصم بن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يتعاقبوا فكانوا يرمون غدوة يوم النحر ويدعون ليلة ويوما ثم يرمون من الغد ففي هذا الحديث أنهم كانوا يرمون غدوة يوم النحر ثم يدعون يوما وليلة ثم يرمون الغد فقد كانوا يرمون رمي اليوم الثاني في اليوم الثالث ولم يكن ذلك بموجب عليهم دما ولا بموجب أن حكم اليوم الثالث في الرمي لليوم الثاني خلاف حكم اليوم الرابع ففي ذلك دليل أن من ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر فذكرها في شئ من أيام التشريق أنه رمي ولا شئ عليه ثم النظر في ذلك يشهد لهذا القول أيضا وذلك أنا رأينا أشياء تفعل في الحج الدهر كله وقت لها منها السعي بين الصفا والمروة وطواف الصدر ومنها أشياء تفعل في وقت خاص هو وقتها خاصة منها رمي الجمار فكان ما الدهر وقت له من هذه الأشياء متى فعل فلا شئ على فاعله مع فعله إياه من دم ولا غيره وما كان منها له وقت خاص من الدهر إذا لم يفعل في وقته وجب على تاركه الدم فكان ما كان منها يفعل لبقاء وقته فلا شئ على فاعله غير فعله إياه وما كان منها لا يفعل لعدم وقته وجب مكانه الدم وكانت جمرة العقبة إذا رميت من غد يوم النحر قضاء عن رمي يوم النحر فقد رميت في يوم هو من وقتها ولولا ذلك لما أمر برميها كما لا يؤمر تاركها إلى بعد انقضاء أيام التشريق برميها بعد ذلك فلما كان اليوم الثاني من أيام النحر هو وقت لها وقد ذكرنا مما قد أجمعوا عليه أن ما فعل في وقته من أمور الحج فلا شئ على فاعله وكان كذلك هذا الرامي لها لما رماها في وقتها فلا شئ عليه فإن قال قائل إنما أوجبنا عليه الدم بتركه رميها يوم النحر وفي الليلة التي بعده للإساءة التي كانت منه في ذلك قيل له فقد رأينا تارك طواف الصدر حتى يرجع إلى أهله وتارك السعي بين الصفا والمروة حتى يرجع إلى أهله مسيئين وأنت تقول أنهما إذا رجعا ففعلا ما كانا تركا من ذلك أن إساءتهما لا توجب عليهما دما لأنهما قد فعلا ما فعلا من ذلك في وقته فكذلك الرامي اليوم الثاني من أيام منى جمرة العقبة لما كان وجب عليه في يوم النحر راميا لها في وقتها فلا شئ عليه في ذلك غير رميها فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
(٢٢٢)