وكان من الحجة له في ذلك أن ما ذكر في حديث عائشة رضي الله عنها من تطييب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الاحرام إنما فيه أنها كانت تطيبه إذا أراد أن يحرم فقد يجوز أن يكون كانت تفعل به هذا ثم يغتسل إذا أراد الاحرام فيذهب بغسله عنه ما كان على بدنه من طيب ويبقى فيه ريحه فان قال قائل فقد قالت عائشة رضي الله عنها في حديث كنت أرى وبيص الطيب في مفارقه بعد ما أحرم قيل له قد يجوز أن يكون ذلك وقد غسله كما ذكرنا وهكذا الطيب ربما غسله الرجل عن وجهه أو عن يده فيذهب ويبقى وبيصه فلما احتمل ما روى عن عائشة رضي الله عنها من ذلك ما ذكرنا نظرنا هل فيما روى عنها شئ يدل على ذلك فإذا فهد قد حدثنا قال ثنا أبو غسان قال ثنا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال سألت بن عمر رضي الله عنهما عن الطيب عند الاحرام فقال ما أحب أن أصبح محرما ينضح منى ريح الطيب فأرسل بن عمر رضي الله عنهما بعض بنيه إلى عائشة رضي الله عنها ليسمع أباه ما قالت قال فقالت عائشة رضي الله عنها أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف في نسائه فأصبح محرما فسكت بن عمر رضي الله عنهما قال أبو جعفر فدل هذا الحديث على أنه قد كان بين إحرامه وبين تطييبها إياه غسل لأنه لا يطوف عليهن إلا اغتسل فكأنها إنما أرادت بهذه الأحاديث الاحتجاج على من كره أن يوجد من المحرم بعد إحرامه ريح الطيب كما كره ذلك بن عمر رضي الله عنهما فأما بقاء نفس الطيب على بدن المحرم بعد ما أحرم وإن كان إنما تطيب به قبل الاحرام فلا نتفهم هذا الحديث فان معناه معنى لطيف فقد بينا وجوه هذه الآثار فاحتجنا بعد ذلك أن نعلم كيف وجه ما نحن فيه من الاختلاف من طريق النظر فاعتبرنا ذلك فرأينا الاحرام يمنع من لبس القميص والسراويلات والخفاف والعمائم ويمنع من الطيب وقتل الصيد وإمساكه
(١٣٢)