ففي هذا الحديث ذكر وجوب القضاء وفي حديث عائشة رضي الله عنها ما قد وافق ذلك وليس في حديث أم هانئ ما يخالف ما قد ذكرنا فأقل أحوال حديث عروة وعمرة عن عائشة رضي الله عنها أن يكون موقوفا على من هو دونهما وقد وافقه حديث متصل وهو حديث عائشة بنت طلحة فالقول بذلك من جهة الحديث أولى من القول بخلافه وأما النظر في ذلك فانا قد رأينا أشياء تجب على العباد بإيجابهم إياها على أنفسهم منها الصلاة والصدقة والصيام والحج والعمرة فكان من أوجب شيئا من ذلك على نفسه فقال لله على كذا وكذا وجب عليه الوفاء بذلك ورأينا أشياء يدخل فيها العباد فيوجبونها على أنفسهم بدخولهم فيها منها الصلاة والصيام والحج وما ذكرنا فكان من دخل في حجة أو عمرة ثم أراد إبطالها والخروج منها لم يكن له ذلك وكان بدخوله فيها في حكم من قال لله على حجة فعليه الوفاء بها فان قال قائل إنما منعناه من الخروج منهما لأنه لا يمكنه الخروج منها إلا بتمامها وليست الصلاة والصيام كذلك لأنهما قد يبطلان ويخرج منهما بالكلام والطعام والشراب والجماع قيل له إن الحجة والعمرة وإن كانا كما ذكرت فانا قد رأيناك تزعم أن من جامع فيهما فعليه قضاؤهما والقضاء يدخل فيه بعد خروجه منهما فقد جعلت عليه الدخول في قضائهما إن شاء أو أبى من أجل افساده لهما فهذا الذي يقضيه بدل منه مما كان وجب عليه بدخوله فيه لا بإيجاب كان منه قبل ذلك فلو كانت العلة في لزوم الحجة والعمرة إياه حين أحرم بها وبطلان الخروج منهما هي ما ذكرت من عدم رفضهما ولولا ذلك كان له الخروج منهما كما كان له الخروج من الصلاة والصيام بما ذكرنا من الأشياء التي تخرج منهما إذا لما وجب عليه قضاؤهما لأنه غير قادر على أن لا يدخل فيه فلما كان ذلك غير مبطل عنه وجوب القضاء وكان في ذلك كمن عليه قضاء حجة قد أوجبها لله عز وجل على نفسه بلسانه كان كذلك أيضا في النظر من دخل في صلاة أو صيام فأوجب ذلك لله عز وجل على نفسه بدخوله فيه ثم خرج منه فعليه قضاؤه ويقال له أيضا وقد رأينا العمرة مما قد يجوز رفضها بعد الدخول فيها في قولنا وقولك وبذلك جاءت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لعائشة رضي الله عنها دعى عنك العمرة وأهلي بالحج وسنذكر ذلك بإسناده في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى فلم يكن للداخل في العمرة إذا كان قادرا على رفضها والخروج منها أن يخرج منها فيبطلها ثم لا يجب عليه قضاؤها
(١١٠)