وأما الإمام أحمد فقال عبد الله ابنه سألت أبي عن الغناء فقال: الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني، ثم ذكر قول مالك إنما يفعله عندنا الفساق.
قال عبد الله: وسمعت أبي يقول: سمعت القطان يقول: لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في السماع وأهل مكة في المتعة لكان فاسقا وقال سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم أو زلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله انتهى كلام ابن القيم من الإغاثة مختصرا. وقد أطال الكلام فيه وأجاد.
وفي تفسير الإمام ابن كثير تحت قوله تعالى: * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) * الآية لما ذكر الله تعالى حال السعداء وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه، عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب.
أخرج ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن أبي الصهباء أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يسأل عن هذه الآية: * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) * فقال عبد الله بن مسعود الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وكذا قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول وعمرو ابن شعيب وعلي بن بذيمة.
وقال الحسن البصري: نزلت هذه الآية: * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) * في الغناء والمزامير انتهى كلامه مختصرا.
وفي كتاب المستطرف في مادة عجل: نقل القرطبي عن سيدي أبي بكر الطرطوشي رحمهما الله تعالى أنه سئل عن قوم يجتمعون في مكان فيقرؤون من القرآن ثم ينشد لهم الشعر فيرقصون ويطربون ثم يضرب لهم بعد ذلك بالدف والشبابة هل الحضور معهم حلال أم حرام؟
فقال: مذهب الصوفية أن هذه بطالة وجهالة وضلالة وما الاسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله، وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذوا العجل، فهذه الحالة هي عبادة العجل، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في جلوسهم كأنما على رؤوسهم الطير مع الوقار والسكينة، فينبغي لولاة الأمر وفقهاء الاسلام أن يمنعوهم من الحضور في المساجد وغيرها ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ولا يعينهم على باطلهم. هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى انتهى.